(الشيطان): اسم يطلق على عدو الله إبليس، وقد يطلق على كل نفس عاتية خبيثة، خارجة عن الصراط المستقيم من الإنس والجن والحيوان، وما أكثر الشياطين بهذا المعنى من بني آدم، قال تعالى:{شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} الآية رقم [١١٢] من سورة (الأنعام)، وما أجدرك أن تنظر شرحها هناك، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأبي ذر الغفاري-رضي الله عنه-: «يا أبا ذرّ تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجنّ». قال: أو للإنس شياطين؟! قال:«نعم».
ولا تنس أن لكل واحد من الإنس شيطانا، بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم لعائشة-رضي الله عنها-: «أجاءك شيطانك؟». قالت: أولي شيطان؟ قال:«ما من أحد، إلاّ وله شيطان». قالت: وأنت يا رسول الله؟ قال:«وأنا إلاّ أنّني أعانني الله عليه فأسلم، فلا يأمر إلاّ بخير». فاعل أسلم يحتمل عوده إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فيكون من السلامة، أي: أسلم من شره ويكون مضارعا مرفوعا، ويحتمل عوده إلى الشيطان نفسه، فيكون من الإسلام، ويكون ماضيا، هذا؛ والشيطان مأخوذ: من شطن؛ إذ بعد، وقيل: مأخوذ من شاط: إذا احترق، فعلى الأول هو مصروف؛ لأن النون أصلية، وعلى الثاني هو غير مصروف، لزيادة الألف والنون، وشطن من باب قعد، وشاط من باب ضرب.
(الرجيم): فعيل بمعنى مفعول، فإنه مرجوم باللعن، والطرد عن الخير، وعن رحمة الله تعالى، وقيل: هو فعيل بمعنى فاعل، أي: يرجم غيره بالوسوسة والإغواء، بعد هذا لا يخفى عليك المعنى لهذه الجملة، وقد يعبر عن الجملة بكاملها بكلمة الاستعاذة على طريقة النحت، والنحت في الكلام تركيب كلمة من كلمتين، أو أكثر، نحو البسملة، والحوقلة من:(لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، والاسترجاع من:{إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} والفذلكة من:
(فذلك كذا وكذا) وهلمّ جرّا.
قال الخازن-رحمه الله تعالى-: ومن لطائف الاستعاذة أن قوله: (أعوذ بالله...) إلخ إقرار من العبد بالعجز والضعف، واعتراف من العبد بقدرة الباري عز وجل، وأنه الغني القادر على دفع جميع المضرات والآفات، واعتراف من العبد أيضا بأن الشيطان عدو مبين، ففي الاستعاذة لجوء إلى الله تعالى القادر على دفع وسوسة الشيطان الغوي الفاجر، وأنه لا يقدر على دفعه عن العبد إلا الله تعالى، والله أعلم.
الإعراب:(أعوذ): مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره «أنا». (بالله): متعلقان بالفعل قبلهما، وإن علقتهما بمحذوف حال من الفاعل المستتر؛ فلست مفندا، ويكون التقدير: أعوذ مستجيرا بالله. (من الشيطان): متعلقان بالفعل: (أعوذ). (الرجيم): صفة (الشيطان) مجرور مثله، هذا؛ ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدإ محذوف، ونصبه على أنه مفعول به لفعل محذوف، تقديره: أذم: وهذان الوجهان على القطع عن الإتباع، وجملة:(أعوذ...) إلخ ابتدائية لا محل لها.