للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} الشرح: (اسم): اختلفوا في اشتقاقه، فقال البصريون: أصله سمو من السّمو، وهو العلو، والارتفاع، فاسم الشيء ما علاه حتى ظهر به، وعلا عليه، فكأنه علا على معناه، وصار علما له، فحذفت لامه، وعوض عنها همزة الوصل في أوله، وقال الكوفيون: أصله وسم من السمة، وهي العلامة فكأنه علامة لمسماه، حذفت فاؤه، وعوض عنها همزة الوصل، وحجة البصريين:

أنه لو كان اشتقاقه من السمة، لكان تصغيره وسيم، وجمعه أوسام؛ لأن التصغير والتكسير، يردان الأشياء إلى أصولها، وقد أجمعوا على أن تصغيره: سميّ، وجمعه: أسماء وأسام، وقد حذفت الألف من {بِسْمِ اللهِ..}. إلخ للخفة، ولكثرة الاستعمال، وأثبتت في قوله تعالى:

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} لقلة الاستعمال. هذا؛ و (اسم) أحد الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون، فإذا نطقوا مبتدءين، زادوا همزة الوصل في أولها تفاديا للابتداء بالساكن، علما بأن هذه الهمزة تسقط في وصل الكلام، وإن كتبت، انظر مبحثها في كتاب قواعد اللغة العربية بشرحنا. {اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}: اسمان، وقيل: صفتان مأخوذتان من الرحمة، وهما في حقه سبحانه وتعالى بمعنى: المحسن، أو مريد الإحسان، لكن الأول بمعنى المحسن بجلائل النعم، والثاني بمعنى المحسن بدقائق النعيم، وإنما جمع بينهما في البسملة، إشارة إلى أنه ينبغي أن يطلب منه تعالى النعم الحقيرة، كما ينبغي أن يطلب منه النعم العظيمة، وقد يوصف بالرحيم المخلوقون، وأما الرحمن فلا يوصف به إلا الله تعالى، ومن وصف به مسيلمة الكذاب، فقد تعنت حيث قال فيه: [البسيط]

وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

بعد هذا ينبغي أن تعلم: أن البسملة آية من سورة (الفاتحة)، وآية من كل سورة ما عدا براءة عند الشافعي، ولا تعد آية في كل ذلك عند أبي حنيفة ومالك، وإنما هي للفصل بين كل سورتين، وأحمد بن حنبل يعدها آية من أول الفاتحة، وليست آية في غيرها-رضي الله عنهم أجمعين-، ومبحث ذلك مبسوط في كتب الفقه، وأخيرا ينبغي أن تعلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ندبنا إلى افتتاح كل أمورنا بالبسملة تيمنا وتبركا، فقد روى الخطيب في كتاب الجامع عنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر». وفي رواية «فهو أقطع». والمعنى قليل البركة، أو معدومها.

الإعراب: {بِسْمِ}: جار ومجرور متعلقان بمحذوف، تقديره: أقرأ، أو أتلو، إذا أراد الشخص القراءة، وقس على ذلك جميع الأعمال التي يقوم بها المسلم، ويسمى الله عليها، فمثلا الآكل، والشارب، والقائم، والقاعد، تقدير المحذوف عنده: آكل، أو أشرب... إلخ، وتقدير المحذوف فعلا هو مذهب الكوفيين، وهم يقدرونه مؤخرا ليفيد معنى الاختصاص، وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>