يا صريخ المستصرخين! ويا غوث المستغيثين! ويا مفرّج كرب المكروبين قد ترى مكاني، وتعلم حالي، ولا يخفى عليك شيء من أمري! فلما قالها؛ حفّته الملائكة، واستأنس في الجبّ. وقال محمد بن مسلم الطائفي: لما ألقي يوسف في الجبّ؛ قال: يا شاهدا غير غائب! ويا قريبا غير بعيد! ويا غالبا غير مغلوب اجعل لي فرجا ممّا أنا فيه، وكان عمره اثنتي عشرة سنة على أصح الأقوال، ومكث في الجب ثلاثة أيام. انتهى. كشاف وخازن بتصرف.
وفي القرطبي: فلما قام على الصخرة، قال: يا إخوتاه! إن لكل ميت وصية، فاسمعوا وصيتي، قالوا: وما هي؟ قال: إذا اجتمعتم كلكم، فآنس بعضكم بعضا؛ فاذكروا وحشتي، وإذا أكلتم فاذكروا جوعي، وإذا شربتم؛ فاذكروا عطشي، وإذا رأيتم غريبا فاذكروا غربتي، وإذا رأيتم شابّا؛ فاذكروا شبابي، فقال له جبريل عليه السّلام: يا يوسف كفّ عن هذا، واشتغل بالدعاء، فإن الدعاء عند الله بمكان، ثم علمه فقال:
قل: اللهمّ يا مؤنس كلّ غريب، ويا صاحب كلّ وحيد، ويا ملجأ كلّ خائف، ويا كاشف كلّ كربة، ويا عالم كلّ نجوى، ويا منتهى كلّ شكوى، ويا حاضر كلّ ملإ، يا حيّ يا قيّوم أسألك أن تقذف رجاءك في قلبي حتّى لا يكون لي همّ وشغل غيرك، وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، إنّك على كلّ شيء قدير، فقالت الملائكة: إلهنا نسمع صوتا ودعاء؛ الصوت صوت صبي، والدعاء دعاء نبي. انتهى.
الإعراب:{فَلَمّا}: الفاء: حرف استئناف. (لما): حرف وجود لوجود عند سيبويه، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب، وهي ظرف بمعنى:(حين) عند ابن السراج، والفارسي، وابن جني، وجماعة، تتطلب جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه، وصوب ابن هشام الأول، والمشهور الثاني. {ذَهَبُوا}: ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، وانظر إعراب:{صَبَرُوا} في الآية رقم [١١] من سورة (هود). {بِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية على القول بحرفية (لما) وهي في محل جر بإضافة (لمّا) إليها على اعتبارها ظرفا. {أَنْ يَجْعَلُوهُ}: مضارع منصوب ب «أن»، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعوله، و (أن) والمضارع في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والتقدير: أجمعوا على جعله، وهذه الجملة معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها. وجوز فيها الحالية، وتكون:(قد) مقدرة قبلها. {فِي غَيابَتِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، و {غَيابَتِ}:
مضاف، و {الْجُبِّ}: مضاف إليه، وجواب (لمّا) محذوف. تقديره: فعلوا به ما فعلوا، وقال الكوفيون: الجواب جملة (أوحينا...) إلخ والواو زائدة، كما قيل به في الآية رقم [٤٠] من سورة (هود)، وهو هنا أرجح من هناك. تأمل. (أوحينا): فعل وفاعل. {إِلَيْهِ}: متعلقان