لم يستأذنه في ذلك، فسجنه ثمّ أطلقه. روى الشّافعي، وأحمد بن حنبل عن عمرو بن دينار: أنّه سمع بجالة بن عبدة يقول: كتب عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: أن اقتلوا كلّ ساحر، وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر. أخرجه البخاريّ في صحيحه. وصحّ: أنّ حفصة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سحرتها جارية لها، فأمرت بها، فقتلت. انتهى. مختصر ابن كثير.
أقول: وما يفعله ضراب الشّيش، وآكلو الحيّات، والعقارب، والّذين يقتحمون النّار، ويفعلون ما يفعلون من الخزعبلات، والشّعوذات؛ فقتلهم جائز شرعا، بل واجب، ولكن اتقاء للفتن تركهم، والابتعاد عنهم أولى في هذه الأيام، وحسابهم على الله تعالى. هذا؛ وروى سفيان عن عمّار الدّهني: أنّ ساحرا كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الحبل، ويدخل في است الحمار، ويخرج من فيه، فاشتمل له جندب على السّيف فقتله، هذا هو جندب بن كعب الأزدي، ويقال: الجبلي، وهو الذي قال في حقّه النبي صلّى الله عليه وسلّم: يكون في أمّتي رجل، يقال له:
جندب، يضرب ضربة بالسيف يفرق بين الحقّ، والباطل، فكان يرونه جندبا هذا قاتل السّاحر، وهذه الرواية غير الرواية الأولى.
هذا؛ وقال العلماء: لا ينكر أن يظهر على يد السّاحر خرق العادات، مما ليس في مقدور البشر من مرض، وتفريق، وحبّ، وبغض، وزوال عقل، وغير ذلك، قالوا: ولا يبعد في السّحر أن يستدقّ جسم الساحر؛ حتّى يتولج في الكوات الضّيقة، والجري على حبل، والطيران في الهواء، والمشي على الماء، وغير ذلك، ومع ذلك فلا يكون السّحر موجبا لذلك، ولا علّة لوقوعه، ولا يكون السّاحر مستقلاّ به، وإنما يخلق الله تعالى هذه الأشياء، ويحدثها عند وجود السّحر، كما يخلق الشّبع عند الأكل، والرّي عند شرب الماء. انتهى قرطبي.
تنبيه:(بابل): المشهور: أنّه بلد من سواد العراق، سمّي بذلك لتبلبل الألسنة فيه، وذلك:
أنّ الله أمر ريحا، فحشرت الخلق لهذه الأرض، فلم يدر أحد ما يقول الآخر، ثمّ فرقتهم الرّيح في البلاد يتكلّم كلّ واحد بلغة. والبلبلة: التّفرقة، وقيل: لمّا أهبط الله نوحا-على نبيّنا، وعليه ألف صلاة وألف سلام-بعد الطوفان بنى قرية، وسماها ثمانين، فأصبح ذات يوم، وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها: اللسان العربي، وكان لا يفهم بعضهم على بعض. وقيل:
سمّيت بذلك؛ لتبلبل ألسنة الخلق عند سقوط صرح نمرود. انتهى سمين. والله أعلم بالحقيقة.
وهاروت، وماروت سريانيان، ويجمعان على: هواريت، ومواريت، مثل: طواغيت، وهو جمع: طاغية، ويجمعان على: هوارية، وموارية، وهوار، وموار، وليسا مشتقين من الهرت، والمرت لعدم انصرافهما، ولو كانا مشتقّين كما ذكر؛ لانصرفا.
تنبيه: لقد ذكر المفسّرون في هاروت، وماروت قصصا، وحكايات هي أقرب إلى الخرافات منها إلى الحقيقة، فأعرض عنها، وعن ذكرها لتفاهتها، واكتف بما ذكره البيضاوي،