للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْعَرْشِ،} قال الراغب في كتابه (مفردات القرآن) وعرش الله عز وجل مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، لا بالحقيقة، وليس هو كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له، تعالى الله عن ذلك! هذا؛ وقد قال سليمان الجمل: وأما المراد به هنا فهو الجسم النوراني المرتفع على كل الأجسام المحيط بكلها. وانظر ما ذكرته في آية الكرسي رقم [٢٥٤] من سورة (البقرة)، والمنقول عن جعفر الصادق، والحسن، وأبي حنيفة، ومالك-رضي الله عنهم أجمعين-: أن الاستواء معلوم، والتكييف فيه مجهول، والإيمان به واجب، والجحود له كفر، والسؤال عنه بدعة. انتهى. نسفي.

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}: ذللهما لمنافع خلقه، ومصالح عباده، وكل مخلوق مذلل للخالق، وذللهما أيضا لما أراد منهما كالحركة المستمرة على حد من السرعة، ينفع في حدوث الكائنات وبقائها. {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} أي: إلى وقت معلوم، وهو وقت فناء الدنيا وزوالها، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أراد بالأجل المسمى درجاتهما، ومنازلهما، يعني: أنهما يجريان في منازلهما، ودرجاتهما إلى غاية ينتهيان إليها، ولا يجاوزانها، وتحقيقه أن الله تعالى جعل لكل واحد من الشمس والقمر سيرا خاصا إلى جهة خاصة، بمقدار خاص من السرعة والبطء في الحركة.

{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}: يقضيه ويقدره وحده، لا يشركه في تدبير خلقه أحد، وقيل: معناه: أنه سبحانه وتعالى يدبر أحوال الخلق، وأحوال ملكوت السموات والأرض، فلا يحدث حدث في العالم العلوي، ولا في العالم السفلي إلا بإرادته وتدبيره وقضائه وحكمته.

{يُفَصِّلُ الْآياتِ} أي: يبين الآيات الدالة على وحدانيته، وكمال قدرته. {لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} أي: لكي توقنوا وتصدقوا بلقاء الله يوم القيامة، وتتحققوا كمال قدرته تعالى، فإنه من قدر على خلق هذه الأشياء، وتدبيرها قادر على الإعادة بعد الموت، والحساب والجزاء.

هذا؛ والترجي في هذه الآية وأمثالها، إنما هو بحسب عقول البشر؛ لأن الله تعالى لا يحصل منه ترجّ ورجاء لعباده، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. {عَمَدٍ}: جمع عمود، أو عماد، وهي الدعائم التي تكون تحت سقف البيت. وجمعه في القلة: أعمدة، وفي الكثرة عمد بفتحتين وعمد بضمتين، وبهما قرئ قوله تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}. وفي القاموس: العمود ما يقوم عليه البيت، وغيره، وجمعه أعمدة وعمد وعمد، وعمود القوم: سيدهم، والعماد الأبنية الرفيعة، ومنه قوله تعالى: {إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ}. هذا؛ وإعلال (مسمّى) مثل إعلال (هدى) في الآية رقم [١١١] من سورة (يوسف) عليه السّلام، و (لقاء): أصله لقاي، قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولم يعتد بالألف الزائدة لأنها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الزائدة، والألف المنقلبة، فأبدلت الثانية همزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>