للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحذف لدلالة الكلام عليه، ومعنى بقدرها: بملئها، الكبير بقدره، والصغير بقدره، وفيه احتراس من أن السيل غير ضار للممطور، بل هو نافع له.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-أنزل من السماء ماء، يعني: قرآنا، وهذا مثل ضربه الله تعالى، ويريد بالأودية القلوب، شبه نزول القرآن الجامع للهدى والنور والبيان بنزول المطر؛ لأن المطر إذا نزل عم نفعه، وكذلك نزول القرآن، وشبه القلوب بالأودية؛ لأن الأودية يستقر فيها الماء، وكذلك القلوب يستقر فيها القرآن، والعرفان ببركة نزول القرآن فيها، وهذا خاص للمؤمنين؛ لأنهم الذين انتفعوا بالقرآن وخذ ما يلي:

عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيّبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنّما هي قيعان، لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فتعلّم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». متفق عليه.

قال العلماء: الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس؛ لأنهم منها خلقوا، فالنوع الأول من أنواع الأرض: الطيبة التي تنتفع بالمطر، فتنبت به العشب، فينتفع الناس به والدواب بالشرب والرعي وغير ذلك، وكذلك النوع الأول من الناس من يبلغه الهدى وغير ذلك من العلم، فيحيا به قلبه، ويحفظه، ويعمل به، ويعلمه غيره، فينتفع به وينفع غيره. النوع الثاني من الأرض: أرض لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة لغيرها، وهي إمساك الماء لغيرها؛ لينتفع به الناس والدواب، وكذلك النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة، لكن ليس لهم أفهام ثاقبة، فيبقى ما عندهم من العلم حتى يجيء المحتاج إليه المتعطش لما عندهم من العلم، فيأخذه منهم، فينتفع به هو وغيره. النوع الثالث من الأرض: أرض سبخة، لا تنبت مرعى، ولا تمسك ماء، كذلك النوع الثالث من الناس، ليس لهم قلوب حافظة ولا أفهام ثاقبة، فإذا بلغهم شيء من العلم، لا ينتفعون به في أنفسهم، ولا ينفعون غيرهم، والله أعلم. {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً} أي: حمل السيل المذكور الحاصل من سيلان الأودية فوق سطحه زبدا، وهو ما يعلو الماء من الرغوة. {رابِياً}: منتفخا مرتفعا، قال الخازن: وهنا تم المثل.

{وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ}: هذا مثل آخر، والمعنى ينشأ زبد آخر مثل زبد الماء فوق ما يغلى في النار. {اِبْتِغاءَ حِلْيَةٍ}: والمراد بذلك ما يغلى في النار من الأتربة المخلوطة ببعض المعادن كالذهب والفضة ونحوهما، لاستخراجه من التراب بواسطة النار، والضمير في {عَلَيْهِ} يعود إلى ما يطلب للزينة والحلية من المعادن الثمينة، وإن لم يكن مذكورا؛ لأن الحلية لا تطلبه

<<  <  ج: ص:  >  >>