للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون:

إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، قالوا: قبل الحساب، قالوا: نعم، فيقولون: من أنتم؟ فيقولون:

نحن أهل الصبر، قالوا: ما كان صبركم، قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معاصي الله، وصبرناها على البلاء والمحن في الدنيا، قال علي بن الحسين، فتقول لهم الملائكة: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين، وقال ابن سلام: فتقول لهم الملائكة: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ}. هذا؛ وقيل: {بِما صَبَرْتُمْ} أي: على الجهاد في سبيل الله.

فعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تدرون من يدخل الجنة من خلق الله؟». قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «المجاهدون، الذين تسدّ بهم الثّغور، وتتّقى بهم المكاره، فيموت أحدهم، وحاجته في نفسه لا يستطيع لها قضاء، فتأتيهم الملائكة، فيدخلون عليهم من كلّ باب، فيقولون: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار». وينبغي أن تؤول قوله عليه الصلاة والسّلام: «هل تدرون من يدخل الجنة». أي: في الأول، وبدون حساب، وإلا فجميع المؤمنين يدخلون الجنة بعد الحساب، وانظر قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ} في الآية رقم [١٠] من سورة (يونس) عليه السّلام، وانظر الآية رقم [٦١] من سورة (مريم) عليها السّلام، هذا؛ والحديث المذكور في الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، بأوسع من هذا؛ وبإبدال (المجاهدون) ب‍ (الفقراء المهاجرون). تأمل.

{فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ}: انظر الآية رقم [٢٤] لشرح عقبى الدار، وأما نعم فهي فعل ماض لإنشاء المدح، وضدها (بئس) ماض لإنشاء الذم: فنعم منقول من نعم فلان بفتح النون وكسر العين، إذا أصاب النعمة، و (بئس) منقول من: بئس فلان بفتح الباء وكسر الهمزة، إذا أصاب بؤسا، فنقلا إلى المدح والذم، فشابها الحروف، فلم يتصرفا، وفيهما أربع لغات: نعم وبئس بكسر وسكون وهي أفصحهن، وهي لغة القرآن، ثم نعم وبئس، بكسر أولهما وثانيهما، غير أن الغالب في نعم أنه يجيء بعدها (ما) كقوله تعالى: {نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ} وبئس جاءت بعدها (ما) على اللغة الأولى الفصحى، كقوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} واللغة الثالثة: نعم وبئس بفتح فسكون، والرابعة نعم وبئس بفتح فكسر، وهي الأصل فيهما.

ولا بد لهما من شيئين: فاعل، ومخصوص بالمدح أو الذم، والقول بفعليتهما إنما هو قول البصريين، والكسائي، بدليل دخول تاء التأنيث عليهما في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل». وقال الكوفيون إلا الكسائي: هما اسمان بدليل دخول حرف الجر عليهما في قول أعرابي، وقد أخبر بأن امرأته ولدت بنتا له: (والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرّها سرقة)، وقول غيره: (نعم السّير على بئس العير).

<<  <  ج: ص:  >  >>