ابتداء لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، والمخاطب بذلك كفار قريش، وانظر الكلام على الأقوام الثلاثة مفصلا في سورة (الأعراف)، وسورة (هود) عليه السّلام، والمقصود منه التذكير بأمر القرون الماضية، والأمم الخالية، وحصول العبرة، والعظة بأحوال من تقدم، وهلاكهم بسبب سوء أعمالهم.
{وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: الأقوام الثلاثة. {لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ:} لا يحصي عددهم، ولا يعرف نسبهم إلا الله تعالى، كما قال جل ذكره:{وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً}.
والنسابون في جميع العصور، وإن نسبوا إلى آدم؛ فلا يدّعون إحصاء جميع الأمم، وإنما ينسبون البعض، ويمسكون عن نسب البعض، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما سمع النسابين ينسبون إلى معد بن عدنان، ثم زادوا، فقال:«كذب النسابون: إن الله يقول: {لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ»}.
وقد روي عن عروة بن الزبير-رضي الله عنهما-: أنه قال: ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون.
{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ:} عضوها غيظا مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسّلام، فيكون كقوله تعالى:{عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ،} أو وضعوا أيديهم على أفواههم تعجبا مما جاءت به الرسل، أو استهزاء عليه، كمن غلبه الضحك، أو هو إسكات للرسل، أي أشاروا بأيديهم إلى أفواههم: أن اسكتوا تكذيبا لهم، أو هو أمر لهم بإطباق الأفواه، وأشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم، وما نطقت به من قولهم:{إِنّا كَفَرْنا} إشارة على أن لا جواب لهم سواه، أو المعنى ردوا الأيدي في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلا، وقيل: الأيدي بمعنى: الأيادي، أي أيادي الأنبياء، التي هي مواعظهم، وما، أوحي إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم؛ لأنهم إذا كذبوا، ولم يقبلوا، فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه. هذا؛ وجمع {أَفْواهِهِمْ} على الأصل؛ لأن الأصل في فم: فوه، مثل حوض، وأحواض، وثوب، وأثواب.
وانظر شرح اليد في الآية رقم [٥٠] من سورة (يوسف) عليه السّلام. {وَقالُوا إِنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي: كفرنا بما تدعون، وتزعمون: أن الله أرسلكم به؛ لأنهم لم يعترفوا بأن الله أرسلهم ولو اعترفوا لكانوا مؤمنين. {وَإِنّا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ} أي: من التوحيد، وعبادة إله واحد، ونبذ عبادة الأصنام. {مُرِيبٍ:} موقع في الريبة.
الإعراب:{أَلَمْ} الهمزة: حرف استفهام وتقرير. {(لَمْ):} حرف نفي وقلب وجزم.
{يَأْتِكُمْ:} مضارع مجزوم ب: {(لَمْ)،} وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والكاف مفعول به. {نَبَؤُا:} فاعل، وهو مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، {مِنْ قَبْلِكُمْ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول، والكاف في محل جر بالإضافة. {قَوْمِ:} بدل من {الَّذِينَ،} بدل بعض من كل، و {قَوْمِ} مضاف،