للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يصاد صيده، ولا يختلى خلاه، وجعل أهله في أمان، كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}. {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} أي: أبعدني، وبنيّ من عبادة الأصنام. هذا؛ وقرئ: «(وأجنبني)» بقطع الهمزة، والمعنى واحد، وهما على لغة نجد، وأما أهل الحجاز، فيقولون: جنبني شره. هذا؛ والأصنام: جمع صنم، وهو التمثال الذي يتخذ من خشب، أو حجارة، أو حديد، أو ذهب، أو فضة على صورة إنسان، أو غيره، وهو الوثن، وانظر النصب في الآية رقم [٤] من سورة (المائدة)، والأنصاب في الآية رقم [٩٣] منها أيضا.

قال البيضاوي: وفيه دليل على أن عصمة الأنبياء بتوفيق الله وحفظه إياهم، وهو بظاهره لا يتناول أحفاده، وجميع ذريته، وهو الصحيح، كيف لا وقد عبد الكثير من ذريته الأصنام مثل قريش، وعبد اليهود العجل، وضلوا ضلالا بعيدا. هذا؛ وقد قال القرطبي:

وأراد بقوله: {وَبَنِيَّ} بنيه من صلبه، وكانوا ثمانية، فما عبد أحد منهم صنما، ولم يذكر أسماءهم هو، ولا غيره من المفسرين، ورأيت في قصص الأنبياء للنجار ما يلي:

عاد إبراهيم فأخذ زوجته اسمها قطورة، فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق، وشوحا. انتهى. نقلا من سفر التكوين. ولعلك تدرك معي: أن مديان هو مدين الذي يكثر ذكره في القرآن الكريم، وانظر الآية رقم [٧١] من سورة (هود) عليه السّلام.

هذا وإبراهيم معناه في العبرانية: أب رحيم، وهو ابن تارح، أو تارخ، بن ناحور، بن سروج، بن رعو، بن فالج، بن عابر بن شالح، بن أرفكشاذ، بن سام، بن نوح عليه الصلاة والسّلام، وانظر ما ذكرته في: {آزَرَ} في الآية رقم [٧٤] من سورة (الأنعام) تجد ما يسرك.

وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسّلام تتخلص في أنه كان فتى من أهل فدان آرام بالعراق، وكان قومه أهل، أوثان، وكان أبوه نجارا، ينحت الأصنام، ويبيعها ممن يعبدها، وأن إبراهيم كان قد أنار الله بصيرته، وهداه إلى الرشد، فعلم أن الأصنام لا تسمع، ولا تبصر، ولا تسمع نداء، ولا تجيب دعاء، ولا تضر، ولا تنفع، ولذا عمد إلى تحطيمها في غيبة من يعبدها ليبين لهم عجزها، ولكنهم لم يرجعوا إلى رشدهم، بل أرادوا حرقه بالنار، فنجاه الله من كيدهم، وجعلهم الأخسرين، وكان الملك النمرود قد ادعى الألوهية، فحاجه إبراهيم عليه السّلام وأفحمه، كما رأيت في الآية رقم [٢٥٧] من سورة (البقرة)، ولما أيس من إسلام أبيه وقومه تركهم، وذهب إلى أور الكلدانيين من أرض الجزيرة قرب نهر الفرات، ثم إلى حران، ثم رحل بعد ذلك إلى فلسطين، ومعه زوجه سارة، وابن أخيه لوط، ومع لوط زوجه، كما قال تعالى في سورة (العنكبوت): {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

ثم رحل إلى مصر بسبب جدب وقع في فلسطين، ثم عاد إلى فلسطين، وكان ملك مصر قد أهدى إبراهيم أموالا وماشية وجواري وعبيدا، منها هاجر التي تزوجها، وأنجبت منه إسماعيل،

<<  <  ج: ص:  >  >>