ينتفعون بمن يأتي إليهم من الناس لزيارة البيت، فقد جمع إبراهيم عليه السّلام في هذا الدعاء من أمر الدين والدنيا ما ظهر بيانه، وعمّت بركاته. {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ:} فاستجاب الله دعاءه وأنبت لهم بالطائف سائر الأشجار، وبما يجلب لهم من الأمصار، كما قال تعالى:{يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ} حيث توجد فيه الفواكه الربيعية، والصيفية، والخريفية في يوم واحد، وهو مشاهد. {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} أي: لعلهم يشكرون هذه النعم التي أنعمت بها عليهم. وقيل: معناه:
لعلهم يوحدونك، ويعظمونك، وفيه دليل على أن تحصيل منافع الدنيا إنما هو ليستعان بها على أداء العبادات، وإقامة الطاعات. هذا؛ والفعل «شكر» يتعدى بنفسه وبحرف الجر تقول:
شكرته، وشكرت له، كما تقول: نصحته، ونصحت له: وقد قرئ: (أفئدة) و «(آفدة)» و «(أفئيدة)».
بعد هذا جاء في البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم، وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر؛ وسقاء فيه ماء، ثم قفّى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب، وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس، ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه، فقال:{رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ..}. إلخ حتى بلغ {يَشْكُرُونَ} وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء؛ عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى-أو قال: يتلبّط-فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر، هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا؟ ففعلت ذلك سبع مرات».
قال ابن عباس: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فلذلك سعى الناس بينهما». «فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت: صه، تريد نفسها، ثم تسمّعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه-أو قال: بجناحه-حتى ظهر الماء، فجعلت تحوّضه، وتقول بيدها: هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف».
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«يرحم الله أمّ إسماعيل، لو تركت زمزم-أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عينا معينا». قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الله: لا تخافوا الضيعة، فإن