هاهنا بيت الله ببنيه هذا الغلام، وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك؛ حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا:
إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي، وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا، أو جريّين، فإذا هم بالماء، فرجعوا، فأخبروهم بالماء، فأقبلوا. قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فألف ذلك أمّ إسماعيل، وهي تحب الأنس، فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنفسهم، وأعجبهم حيث شب، فلما أدرك الحلم؛ زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل.
فجاء إبراهيم-عليه السّلام-بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، وقولي له: يغيّر عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل عليه السّلام كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك؛ فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال:
فهل، أوصاك بشيء؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك، قال:
ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك؛ الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد، فلم يجده، فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم، والماء!.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه». قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة، إلا لم يوافقاه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل عليه السّلام، قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير، قال:
فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وأنت العتبة أمرني أن أمسكك، ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك، وإسماعيل عليه السّلام يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل! إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني، قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا، وأشار إلى أكمة مرتفعة