للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإليه الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ} ثم إن ذلك التراب بله بالماء وخمره حتى اسود وأنتن ريحه، وتغير، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} ثم ذلك الطين الأسود المتغير صورة صورة إنسان أجوف، فلما جفّ ويبس كانت تدخل فيه الريح، فتسمع له صلصلة، يعني: صوتا، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ}.

تنبيه: وأما صفة خلق آدم عليه السّلام، فإني أنقلها لك من الخازن بحروفه، وذلك من سورة (البقرة)، فقال وهب بن منبه-رحمه الله تعالى-: لما أراد الله تعالى أن يخلق آدم؛ أوحى إلى الأرض أني خالق منك خليفة، منهم من يطيعني، ومنهم من يعصيني، فبكت الأرض، فانفجرت منها العيون إلى يوم القيامة، فبعث الله إليها جبريل عليه السّلام ليأتيه بقبضة منها، من أحمرها، وأسودها، وطيبها، وخبيثها، فلما أتاها ليقبض منها، قالت: أعوذ بعزة الله الذي أرسلك إليّ أن لا تأخذ مني شيئا يكون للنار فيه نصيب، فرجع جبريل إلى مكانه، وقال: يا رب استعاذت بك مني، فكرهت أن أقدم عليها، فقال الله لميكائيل-عليه السّلام-انطلق فائتني بقبضة منها، فلما أتاها ليقبض منها، قالت له: مثل ما قالت لجبريل، فرجع إلى ربه، فقال ما قالت له، فقال لعزرائيل عليه السّلام: انطلق فائتني بقبضة من الأرض، فلما أتاها ليقبض منها، قالت له مثل ما قالت لجبريل ولميكائيل، فقال: وأنا أعوذ بعزته أن أعصي له أمرا، فقبض منها قبضة من جميع بقاعها، من عذبها، ومالحها، وحلوها، ومرها، وطيبها، وخبثها، وصعد بها إلى السماء.

فسأله ربه عز وجل-وهو أعلم بما صنع-فأخبره بما قالت الأرض، وبما رد عليها، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأخلقن مما جئت به خلقا، ولأسلطنك على قبض أرواحهم، لقلة رحمتك، ثم جعل الله تلك القبضة، نصفها في الجنة، ونصفها في النار، ثم تركها ما شاء الله، ثم أخرجها، فعجنها طينا لازبا مدة، ثم حمأ مسنونا مدة، ثم صلصالا، ثم جعلها جسدا، وألقاه على باب الجنة، فكانت الملائكة يعجبون من صفة صورته؛ لأنهم لم يكونوا رأوا مثله، وكان إبليس يمر عليه، ويقول لأمر ما خلق هذا، ونظر إليه، فإذا هو أجوف، فقل: هذا خلق لا يتمالك، وقال يوما للملائكة: إن فضّل هذا عليكم ما تصنعون؟ فقالوا: نطيع ربنا، ولا نعصيه.

فقال إبليس في نفسه: لئن فضّل علي لأعصينه، ولئن فضّلت عليه لأهلكنّه، فلما أراد الله تعالى أن ينفخ فيه الروح أمرها أن تدخل في جسد آدم، فنظرت، فرأت مدخلا ضيقا، فقالت:

يا رب كيف أدخل هذا الجسد؟ قال الله عز وجل: ادخليه كرها، وستخرجين منه كرها، فدخلت في يافوخه، فوصلت إلى عينيه، فجعل ينظر إلى سائر جسده طينا، فسارت إلى أن وصلت منخريه، فعطس، فلما بلغت لسانه، قال: الحمد لله رب العالمين، وهي أول كلمة قالها،

<<  <  ج: ص:  >  >>