للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فناداه الله تعالى: رحمك ربك يا أبا محمد، ولهذا خلقتك! ولما بلغت الروح الركبتين، همّ ليقوم، فلما يقدر، قال الله تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ}.

فلما بلغت إلى الساقين والقدمين، استوى قائما بشرا سويّا، لحما، ودما، وعظاما، وعروقا، وعصبا، وأحشاء، وكسي لباسا من ظفر، يزداد جسده جمالا، وحسنا كل يوم، وجعل في جسده تسعة أبواب، سبعة في رأسه، وهي الأذنان يسمع بهما، والعينان يبصر بهما، والمنخران يشم بهما، والفم فيه اللسان يتكلم به، والأسنان يطحن بهما ما يأكله، ويجد لذة المطعومات بها، وبابين في أسفل جسده، وهما القبل والدبر يخرج منهما ثفل طعامه، وشرابه، وجعل عقله في دماغه، وفكره، وصرامته في قلبه، وشرهه في كليته، وغضبه في كبده، ورغبته في رئته، وضحكه في طحاله، وفرحه، وحزنه في وجهه، فسبحان من جعله يسمع بعظم، ويبصر بشحم، وينطق بلحم، ويعرف بدم، وركب فيه الشهوة، وحجزه بالحياء!

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله آدم عليه السّلام، وطوله ستون ذراعا، ثمّ قال: اذهب فسلّم على أولئك-نفر من الملائكة-فاستمع ما يحيّونك به، فإنها تحيّتك، وتحيّة ذرّيتك، فقال: السّلام عليكم، فقالوا: السّلام عليك ورحمة الله، فزادوه رحمة الله، فكلّ من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتّى الآن». متفق عليه.

وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا صوّر الله آدم، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطوف به ينظر ما هو؟ فلمّا رآه أجوف؛ عرف: أنه لا يتمالك».

رواه مسلم.

وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم من قبضة قبضها من الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسّهل، والحزن، والخبيث، والطيّب». أخرجه الترمذي، وأبو داود. انتهى. خازن.

هذا وقد قال عبد الوهاب النجار-رحمه الله تعالى في كتابه: (قصص الأنبياء): هل آدم هذا هو أول البشر، ولم يكن أحد قبله من جنسه؟

والجواب: أن العقل لا يجعل من المحال أن يكون الله خلق آدم غير آدم هذا، ولكن الله تعالى لم يذكر سوى آدم الذي نعرفه أبا البشر، فالقول بوجود غيره مجازفة بلا برهان، وقد وجد من البشر في الأزمان الغابرة والحاضرة من يدّعون: أن عمران بلادهم أقدم من خلق آدم كأهل الهند، وقد كانوا في الزمان السابق يدّعون: أن آدم كان عبدا من عبيدهم هرب إلى الغرب، وجاء بأولاده، وإلى هذا يشير المعري بقوله: [الوافر]

تقول الهند آدم كان قنّا... لنا فسعى إليه مخبّبوه

<<  <  ج: ص:  >  >>