للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأفعال المجيدة عما يصفه المشركون به، أو تنزه، وتبرأ من أن يكون له شريك، فيدفع ما أراد بالمشركين من عذاب، وعقاب. هذا؛ و (تعالى) يأتي منه مضارع، ولا يأتي منه أمر، فهو ناقص التصرف.

بعد هذا ف‍: «أتى» يستعمل لازما؛ إذا كان بمعنى: حضر، وأقبل، وقرب، كما في هذه الآية، ويستعمل متعديا إذا كان بمعنى: وصل، وبلغ، كما في قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} وعبر سبحانه بالماضي عن المستقبل لتحقّق وقوعه، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢١] من سورة (إبراهيم) عليه الصلاة والسّلام، وفي الآية الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة، انظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٢] ويقرأ: «تشركون» بالتاء، فلا يكون في الآية التفات.

تنبيه: لقد نهى الله النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عن استعجال الشيء قبل أوانه، أو هو نهي للكفار، عن استعجال طلب العقاب، والعذاب، بينما حث الله تعالى على المسارعة إلى فعل الطاعات، فقال: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..}. إلخ الآية رقم [١٣٣] من سورة (آل عمران) وقال {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..}. إلخ، الآية رقم [٢١] من سورة (الحديد) كما وصف أنبياءه بأنهم كانوا يسارعون في الخيرات، وهذا لا يناقض ما روي: «العجلة من الشيطان، والتأني من الرحمن»؛ لأن المسارعة إلى الطاعات مستثناة منه، كما أن هناك أمورا تسن المبادرة إلى فعلها، كأداة الصلاة المكتوبة إذا دخل وقتها، وقضاء الدين بحق الموسر، وتزويج البكر البالغ؛ إذا أتى الكفؤ لها، ودفن الميت، وإكرام الضيف؛ إذا نزل. وخذ ما يلي: فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له: «يا عليّ ثلاث لا تؤخّرها: الصّلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت كفؤا». أخرجه الترمذي. وجاء في الشعر العربي الحث على العجلة، قال بشار بن برد الأعمى: [البسيط]

من راقب النّاس لم يظفر بحاجته... وفاز بالطّيّبات الفاتك اللهج

واختصره سلم الخاسر، فقال: [مخلع البسيط]

من راقب النّاس مات همّا... وفاز باللّذّة الجسور

ونسب للأعشى، ولغيره ما يلي: [البسيط]

وربّما فات قوما جلّ أمرهم... من التّأنّي، وكان الحزم لو عجلوا

وقال آخر: [البسيط]

وربّما ضرّ بعض النّاس بطؤهم... وكان خيرا لهم لو أنّهم عجلوا

هذا و {سُبْحانَهُ} اسم مصدر. وقيل: مصدر مثل «غفران»، وليس بشيء؛ لأن الفعل «سبح» بتشديد الباء، والمصدر: تسبيح، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله،

<<  <  ج: ص:  >  >>