والشرّ، وقال تعالى في حقّ بني إسرائيل:{وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} وأصل الابتلاء: الامتحان، والاختبار؛ ليظهر للناس حال الإنسان، والله تعالى عالم بحال الإنسان من الأزل إلى الأبد، فالمراد: أنه عامله معاملة المختبر؛ ليظهر ذلك للخلق.
هذا؛ ولقد اختلف في الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، فقال عكرمة: عن ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: هي ثلاثون من شرائع الإسلام:
عشر في (براءة): {التّائِبُونَ الْعابِدُونَ} الآية رقم [١١٢]، وعشر في (الأحزاب): {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ..}.
إلخ الآية رقم [٣٥] وعشر في (المؤمنون): {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ..} .. وقال طاوس-رحمه الله تعالى -عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: ابتلاه الله بعشرة أشياء هي الفطرة: خمس في الرأس الشّامل للوجه: قصّ الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وخمس في الجسد: تقليم الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، والاستنجاء بالماء. وإنّي أعتمد هذا. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
وفي الصّحيحين عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«الفطرة خمس:
الختان، والاستحداد، وقصّ الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط». وفي الخبر: أنّ إبراهيم عليه السّلام أول من قص الشارب، وأول من اختتن، وكان عمره ثمانين سنة، في رواية ثانية:
مائة وعشرين سنة، وهو أول من قلّم الأظفار، وأوّل من رأى الشيب، فلمّا رآه؛ قال: يا ربّ، ما هذا؟ قال: الوقار، قال: يا ربّ زدني وقارا. {فَأَتَمَّهُنَّ:} قام بهن على الوجه الأكمل. {قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً:} قدوة في الخير، فالمعنى: جاعلك للناس إماما يأتمّون بك في هذه الخصال، ويقتدي بك الصّالحون، فجعله الله تعالى إماما لأهل طاعته، فكذلك اجتمعت الأمم على الدّعوى فيه. هذا؛ والإمام: الطريق. والكتاب: إمام. قال تعالى:{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}. ولا تنس دعوة عباد الرحمن في سورة (الفرقان): {وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً} فعلم:
أنّ المراد من الإمامة في الآية الكريمة الإمامة في الدّين، والطاعة، والعبادة، ولو كانت الإمامة الدّنيوية؛ لخالف ذلك الواقع؛ إذ نالها كثير من الظالمين.
{قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي:} أي: نسلي، وعقبي، وهي تقع على الجمع كما هنا، وكما في قوله تعالى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً}. وتقع على الواحد، كما في قوله تعالى حكاية عن قول زكريا عليه الصلاة والسّلام:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} قيل: هي مشتقة من الذّرا بفتح الذال، وهي كل ما استذريت به، يقال: أنا في ظلّ فلان، وفي ذراه، أي: في كنفه، وستره، وتحت حمايته، وهو بضم الذّال: أعلى الشيء. وقيل: مشتقة من الذّرء، وهو الخلق، قال تعالى:{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وقال تعالى: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}.