{قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ:} المراد بالعهد: النّبوة، والإمامة، والقدوة الحسنة. هذا؛ وقرئ:(«الظالمون») والمعنى لا يتغيّر؛ لأن من نالك؛ فقد نلته، ومن نلته؛ فقد نالك.
هذا؛ و ({إِبْراهِيمَ}) اسم عجمي، ومعناه: أب رحيم، وهو إبراهيم بن تارخ، وهو آزر بن ناخور ابن شاروع، بن أرغو بن فالغ، بن عابر، بن شالح، بن أرفحشد بن سام بن نوح عليه السّلام، وقد ولد بحرّان من أرض العراق، ولكن نقله أبوه إلى أرض بابل، وهي أرض نمرود الجبّار، وإبراهيم- على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-يعترف بفضله جميع الطوائف البشرية قديما، وحديثا، فأمّا اليهود، والنّصارى؛ فإنّهم مقرّون بفضله، ويتشرفون بالانتساب إليه، وأنهم أولاده، وأمّا العرب في الجاهلية؛ فإنهم يعترفون أيضا بفضله، ويتشرفون بالانتساب إليه أيضا؛ لأنهم أولاده.
ومن ساكني حرمه، وخدّام بيته. ولمّا جاء الإسلام؛ زاده الله شرفا، وفضلا.
هذا؛ ومناسبة الآية والتي بعدها لما قبلها: أنّ الله تعالى لما ذكر في الآيات السابقة نعمه على بني إسرائيل، وبيّن كيف كانوا يقابلون النّعم بالكفر، والعناد، ويأتون المنكرات في الأقوال، والأعمال؛ وصل حديثهم بقصّة إبراهيم أبي الأنبياء الّذي يزعم اليهود، والنصارى انتماءهم إليه، ويقرّون بفضله وشرفه، ولو كانوا صادقين؛ لوجب عليهم اتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم، ودخولهم في دينه القويم؛ لأنه أثر دعوة إبراهيم الخليل حين دعا لأهل الحرم، ثم هو من ولد إسماعيل عليه السّلام، فكانوا أولى بالاتباع، والتمسّك بشريعته الحنيفية السّمحة التي هي شريعة إبراهيم على نبينا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام.
الإعراب:{وَإِذِ:} الواو: حرف عطف؛ إذا كان الكلام موجها إلى اليهود، وحرف استئناف؛ إذا كان موجها للنّبي صلّى الله عليه وسلّم. ({إِذِ}): ظرف لما مضى من الزمان متعلّق بفعل محذوف، تقديره: اذكروا، أو: اذكر حسب المراد من الكلام، كما ترى، مبني على السكون في محل نصب. وقيل: هو في محل نصب مفعول به للفعل المقدّر، وانظر الشرح والإعراب في الآية رقم [٣٠]. {اِبْتَلى:} فعل ماض. {إِبْراهِيمَ:} مفعول به، وهو واجب على التقديم على الفاعل هنا عند جمهور النّحاة؛ لأنه متى اتصل بالفاعل ضمير يعود إلى المفعول وجب تقديمه لئلا يعود الضّمير على متأخر لفظا، ورتبة. {رَبُّهُ:} فاعل، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة ({إِذِ}) إليها. هذا؛ وقرئ برفع («إبراهيم») ونصب («ربّه») على أنه دعا ربّه، وهي قراءة شاذة قراءة وعربيّة لعود الضمير حينئذ على متقدم لفظا ورتبة، قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز]
وشاع نحو خاف ربّه عمر... وشذّ نحو زان نوره الشّجر
فالشّطر الأول للقراءة الأولى، وهي سبعية، والشّطر الثاني للقراءة الثانية الشّاذة، انظر الشاهد رقم [٣٠٨] وما بعده من كتابنا: «فتح ربّ البرية»؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.