للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعل البيت مثابا لهم... ليس منه الدّهر يقضون الوطر

هذا؛ والأصل: مثوبة، فقل في إعلاله اجتمع معنا حرف صحيح وساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى الثاء قبلها بعد سلب سكونها. ثم قل: تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها الآن، فقلبت ألفا. ومثله ({مَقامِ}) في إعلاله. {وَأَمْناً:} مأمنا لأهله من الظلم والاعتداء، والغارات التي تقع في غيره، كان الرجل يرى فيه قاتل أبيه، فلا يزعجه لحرمة الحرم، قال تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٦٧].

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}.

{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى:} مكانا للصلاة، وقيل: مكان دعاء، فهو بمعنى: مدّعى، ومقام إبراهيم: هو الحجر الذي وقف عليه عند بناء الكعبة المعظمة، وأصله من الجنّة كالحجر الأسود، وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:

«إنّ الركن، والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنّة، طمس الله نورهما، ولو لم يطمس نورهما؛ لأضاء ما بين المشرق، والمغرب» أخرجه الترمذيّ، قال: وهذا يروى عن ابن عمر موقوفا.

{وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ} أي: أمرناهما، وألزمناهما، وأوجبنا عليهما. قيل: إنما سمي إسماعيل؛ لأن إبراهيم كان يدعو له الناس أن يرزقه ولدا، ويقول في دعائه: اسمع يا إيل، وإيل بلسان السريانية: هو الله، فلما رزق الولد؛ سماه به. {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ:} يعني الكعبة المعظمة، أضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما وتفضيلا وتخصيصا، أي: ابنياه على الطهارة، والتوحيد. وقيل: طهراه من سائر الأقذار، والأنجاس، وقيل: طهراه من الشرك، والأوثان، وقول الزّور {لِلطّائِفِينَ:} الذين يطوفون حوله. ({الْعاكِفِينَ}): المقيمين في الحرم حول البيت، والعكوف: اللزوم والإقبال على الشيء، قال العجاج يصف ثورا: [الرجز]

فهنّ يعكفن به إذا حجا... عكف النّبيط يلعبون الفنزجا

الفنزجة، والفنزج: رقص العجم إذا أخذ بعضهم يد البعض؛ وهم يرقصون، {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} أي: المصلون، جمع راكع، وجمع ساجد، وقال تعالى في سورة (الحج): {وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.

تنبيه: جاء في البخاري: أن المقام هو الحجر، الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناولها إياه في بناء البيت، وغرقت قدماه فيه، قال أنس-رضي الله عنه-: رأيت في المقام أثر أصابعه، وعقبه، وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم.

تنبيه: هذه الآية من الآيات التي وافقت رأي عمر-رضي الله عنه-قال: يا رسول الله! لو صلّيت خلف المقام، فنزلت الآية الكريمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>