للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغبت فيه: إذا أردته، وأحببته، ولذا كان قول القائل-وهو الشاهد رقم [٩٢٥] من كتابنا:

«فتح القريب المجيب» -: [الطويل]

ويرغب أن يبني المعالي خالد... ويرغب أن يرضى صنيع الألائم

محتملا للمدح والذمّ بسبب تقدير الجار والمجرور، كما يجوز تقدير (عن) أو (في) في قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ومثل يرغب: ادّعى، يقال: ادّعى فلان في بني هاشم: إذا انتسب إليهم، وادّعى عنهم: إذا عدل بنسبه عنهم. ومثله: عدل، ومال، وانحرف، وغير ذلك كثير، وهذا ممّا يدلّ على اتساع اللغة العربية. {مِلَّةِ إِبْراهِيمَ:} دينه، وطريقته، وشريعته. هذا؛ والملة بفتح الميم: الرّماد الحار.

{إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ:} استمهنها، وأذلّها، واستخفّ بها. قال المبرد، وثعلب: سفه بالكسر متعدّ، وبالضم لازم، ويشهد له ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الكبر أن تسفه الحقّ، وتغمص النّاس» أي: تحتقرهم، والأول من باب: طرب، والثاني من باب: ظرف. هذا؛ وجاء في المختار:

وقولهم: سفه نفسه، وغبن رأيه، وبطر عيشه، وألم بطنه، ووفق أمره، ورشد أمره، كان الأصل: سفهت نفس زيد، ورشد أمره، فلمّا حوّل الفعل إلى الرّجل؛ انتصب ما بعده بوقوع الفعل عليه؛ لأنّه صار في معنى سفّه نفسه بالتّشديد. هذا قول البصريين، والكسائي، ويجوز عندهم تقديم هذا المنصوب، كما يجوز: غلامه ضرب زيد. وقال الفرّاء: لمّا حوّل الفعل من النفس إلى صاحبها؛ خرج ما بعده مفسّرا ليدلّ على أنّ السّفه فيه، وكان حكمه من النفس سفه زيد نفسا؛ لأنّ المفسّر لا يكون إلا نكرة، ولكنه ترك على إضافته، ونصب، كنصب النّكرة تشبيها بها، ولا يجوز عنده تقديمه؛ لأن المفسّر لا يتقدّم، ومثله قولهم: ضقت به ذرعا، وطبت به نفسا، والمعنى: ضاق ذرعي به، وطابت نفسي به. انتهى بحروفه.

{اِصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا} اخترناه على غيره بالرّسالة والخلّة. {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ} أي:

الذين لهم الدّرجات العلى. هذا؛ والصّلاح درجة عالية، ومكانة رفيعة، ولذلك سأل الله هذه المنزلة يوسف الصدّيق، عليه وعلى نبينا، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ألف صلاة، وألف سلام، سأله هذه المنزلة قبل وفاته، وقد حكى القرآن ذلك عنه: {*رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} وسألها إبراهيم عليه السّلام، وحكاها القرآن عنه: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} سورة (الشعراء). وطلبها سليمان عليه السّلام، وحكاها القرآن الكريم عنه: {وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ} سورة (النمل)، وقال تعالى في حقّ إسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، على نبينا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام: {وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصّالِحِينَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>