للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع: راقد، مثل: راكع، وركوع، وساجد، وسجود، وقاعد، وقعود، وفي هذه الجملة طباق، ومقابلة بين أيقاظ و {رُقُودٌ،} وتشبيه مأخوذ من معنى (تحسب) فقد شبه الله أهل الكهف في حال نومهم بالأيقاظ، فقد جاءت أداة التشبيه هنا فعلا من أفعال الشك على حد قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} الآية رقم [١٩] من سورة (الإنسان). وقوله تعالى:

{حَسِبَتْهُ لُجَّةً} الآية رقم [٤٤] من سورة (النمل). {وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ..}. إلخ: أي: على جنوبهم؛ لئلا تأكل الأرض ما يليها من أجسامهم، وإن الله قادر على حفظهم من غير تقليب، ولكن جعل لكل شيء سببا في أغلب الأحوال. وقيل: إنهم كانوا يقلبون في كل سنة مرة.

وقيل: يقلبون مرّتين في العام. وقيل: غير ذلك، وظاهر كلام المفسرين: أن التقليب من فعل الله، ويجوز أن يكون من فعل ملك بأمر الله، وكلّه من فعل الله، أو أمره.

{وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} أي: نائم، وماد ذراعيه بفناء الكهف، أو ببابه، أو بعتبته قال أمية بن أبي الصلت: [الطويل]

وليس بها إلاّ الرّقيم مجاورا... وصيدهم، والقوم في الكهف همّد

وكانوا إذا انقلبوا انقلب معهم، وهو مثلهم في صفة النوم، فلما ناموا نام معهم، ولما استيقظوا استيقظ معهم، ولما ماتوا مات معهم، وهو من الحيوانات التي تدخل الجنة، مثل كبش إسماعيل، وناقة صالح-عليهما الصلاة والسّلام-، وكذا كبش هابيل، وحمار عزير-عليهما السّلام-. هذا؛ وقالت فرقة: لم يكن كلبا حقيقة، وإنما كان أحدهم، وكان قد قعد عند باب الغار طليعة لهم، كما سمي النجم التابع للجوزاء كلبا؛ لأنه منها كالكلب من الإنسان ويقال له:

كلب الجبار. وهو ضعيف، ولا يعتدّ به.

{لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً} أي: لو نظرت إليهم؛ لهربت منهم. {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} أي: خوفا يملأ صدرك لما ألبسهم الله من الهيبة، أو لوحشة مكانهم، وكان الله آواهم إلى هذا المكان الموحش في الظاهر؛ لينفر الناس منهم. وقيل: الفرار، والرعب لطول شعورهم، وأظفارهم، وهذا بعيد؛ لأنهم لما استيقظوا قال بعضهم لبعض: (لبثنا يوما، أو بعض يوم) وهذا يدل على أنّ أشعارهم كانت بحالها إلا أن يقال: إنما قالوا ذلك قبل أن ينظروا إلى أظفارهم وشعورهم. قال ابن عطية: والصحيح من أمرهم: أن الله عز وجل حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها؛ لتكون لهم، ولغيرهم فيهم آية، فلم يبل لهم ثوب، ولم تغير لهم صفة، ولم ينكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم. هذا؛ وقرئ «(لملئت)» بتخفيف اللام مع ضم العين وسكونها في (رعبا) وتشديد اللام مع تسكين العين فقط، فالقراءات ثلاث سبعية.

تنبيه: روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس-رضي الله عنهم-. قال: غزونا مع معاوية نحو الروم، فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف، فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>