نظرنا إليهم. فقال ابن عباس: قد منع الله من هو خير منك، وأراد سيد الخلق، وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم، فقال له:{لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ..}. إلخ فلم يسمع، وبعث ناسا، فلما دخلوا بعث الله عليهم ريحا، فأخرجتهم، وفي رواية فأحرقتهم، فظن معاوية أن هذا المعنى، وهو امتناع الاطلاع عليهم مختص بذلك الزمان الذي قبل بعثهم، وأما ابن عباس-رضي الله عنهما-فعلم:
أن ذلك عام في جميع الأوقات. انتهى جمل.
تنبيه: قال ابن عطية: وحدثني أبي-رضي الله عنه-قال: سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر، يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل فضل، وصحبهم، فذكره الله في محكم تنزيله.
قلت: إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته، ومخالطته الصلحاء والأولياء، حتى أخبر الله بذلك في كتابه جل وعلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحّدين، المخالطين، المحبين للأولياء والصالحين، بل في هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكمال، والمحبين للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وآله خير آل.
روي في الصحيح عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: بينما أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم خارجان من المسجد، فلقينا رجل عند سدة باب المسجد، فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال:«ما أعددت لها؟». قال: فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله! ما أعددت لها كثير صلاة، ولا صيام، ولا صدقة، ولكني أحب الله، ورسوله. قال:«فأنت مع من أحببت». قال أنس -رضي الله عنه-، فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«فأنت مع من أحببت». ثم قال: أنا أحب الله، ورسوله، وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم؛ وإن لم أعمل بأعمالهم.
قلت: وهذا الذي قاله أنس، وتمسك به يشمل من المسلمين كل ذي نفس، فكذلك تعلقت أطماعنا بذلك، وإن كنا مقصرين، ورجونا رحمة الرحمن، وإن كنا غير مستأهلين، كلب أحب قوما، فذكره الله معهم، فكيف بنا، وعندنا عقد الإيمان، وكلمة الإسلام، وحب النبي صلّى الله عليه وسلّم {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ..}. إلخ الآية. انتهى. قرطبي بحروفه. أقول: وخذ قول الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-مخاطبا الشافعي-رضي الله عنه-: [الوافر]
أحبّ الصّالحين ولست منهم... لعلّي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من بضاعته المعاصي... وإن كنّا سواء في البضاعه
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اتّخذ كلبا إلاّ كلب ماشية، أو صيد، أو زرع، انتقص من أجره كلّ يوم قيراط». رواه البخاري، فدل هذا على جواز اقتناء الكلب لما ذكر، من غير أن ينقص من أجر من اقتناه لذلك شيء، أما النقص في أجر من يقتنيه لغير منفعة،