للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانظر الآية رقم [١٠٧] من سورة (المائدة). {لِيَعْلَمُوا} أي: الناس الذين بعث أصحاب الكهف على عهدهم. {أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي: بالبعث، والحساب، والجزاء، والمجازاة على العمل خيرا كان، أو شرا. {وَأَنَّ السّاعَةَ} أي: يوم القيامة. {لا رَيْبَ فِيها:} لا شك، ولا ارتياب في وقوعها وحصولها. {إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} أي: يتخاصمون، ويتجادلون في أمر دينهم، ويختلفون في حقيقة البعث، والحشر، والنشور، فقد أنكره بعضهم، وبعضهم يقول: تبعث الأرواح دون الأجساد، وبعضهم يقول: تبعث الأجساد مع الأرواح، فقد أطلعهم الله على أصحاب الكهف؛ ليرتفع الخلاف، وليتبين: أنّ الأجساد، تبعث حية حساسة فيها أرواحها، كما كانت قبل الموت، وليوقن الناس: أن من توفى نفوس أهل الكهف، وأمسكها تلك المدة المتطاولة، حافظا على أبدانها عن التحلل، والتفتت، ثم أرسلها قادر على أنّ يتوفى نفوس جميع الناس ممسكا إياها إلى أن يحشر أبدانها، فيردها عليها.

هذا؛ وقيل: إن المتنازعين هم أصحاب الكهف أنفسهم؛ أي: اختلفوا في مدة لبثهم.

وليس بشيء. {فَقالُوا} أي: المتنازعون في شأنهم حين توفاهم الله، وقبض أرواحهم، والمراد:

بهم: الملك الصالح، والمسلمون معه. {اِبْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً} أي: على باب كهفهم لئلا يتطرق إليهم الناس تكريما لهم، ومحافظة على تربتهم، كما حفظت تربة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحظيرة.

{رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ:} هذه الجملة من كلام المتنازعين بشأنهم في زمانهم، أو المتنازعين فيهم على عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كأنهم تذاكروا أمرهم، وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم، فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك. قالوا: {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ،} أو هو من كلام الله عز وجل ردّا لقول الخائضين في حديثهم. و {أَعْلَمُ:} بمعنى: عالم، وليس على بابه من التفضيل؛ لأن الله تعالى لا يشاركه في علمه أحد.

{قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ:} من المسلمين، وملكهم، وكانوا أولى بهم، وبالبناء عليهم:

{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} أي: على باب الكهف، يصلي فيه المسلمون، ويتبركون بمكانهم، ويعتبرون بهم. بينما قالت الطائفة الكافرة: تبني بيعة، أو مضيفا يأوي إليه الناس الغرباء. وقد غلب المسلمون، وبنوا ما أرادوا. وروي: أن الملك الصالح أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب، فأتاه آت منهم في المنام، فقال: أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب، فلا تفعل، فإنا قد خلقنا من التراب، وإليه نعود، فدعنا. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. ولا تنس: أنّ في قوله تعالى: {يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} استعارة مكنية.

تنبيه: بعد أن، أوى الفتية إلى الكهف، وناموا نومتهم المتطاولة مات دقيانوس الكافر الذي ذكرت لك شأنه في الآية رقم [١٠] ومضت قرون على موته، وملك تلك المدينة رجل صالح، اسمه: بيدروس، فاختلف الناس في عهده في أمر الحشر، وبعث الأجساد من القبور، فشك في

<<  <  ج: ص:  >  >>