للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يُرِيدُونَ وَجْهَهُ:} يريدون طاعته، ورضاه، وذلك بإخلاص العبادة له. وانظر (الإرادة) في الآية رقم [٤٠] من سورة (النحل). {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ:} لا تنصرف عيناك عنهم، وهو بمعنى: لا تصرف عينيك عنهم، فالفعل مسند إلى العينين، وهو في الحقيقة موجه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.

ويزيدك وضوحا قول الزجاج: إن المعنى: لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات، والزينة، وهو على فرض التقدير، مثل قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ،} والشرك محال في حقه صلّى الله عليه وسلّم. وانظر شرح {الْحَياةِ الدُّنْيا} في الآية رقم [١٠٧] من سورة (النحل).

تنبيه: قال ابن هشام في مغنيه: إن الفعل {وَلا تَعْدُ} متعد، وقد جاء لازما هنا؛ لأنه بمعنى: (لا تنب عيناك عنهم) وأورد قول ذي الرمة وهو الشاهد رقم [٩٢٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]

وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها... إلى الضّيف يجرح في عراقيبها نصلي

فإنه قال: ضمّن «يجرح» معنى: «يفسد» ولذا جاء لازما. وقال الزمخشري: ألا ترى كيف رجع معنى قوله تعالى: {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ} إلى قولك: ولا تقتحم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم، وقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ} أي: لا تضموها إليها آكلين، وكل ما ذكر إنما هو من باب التضمين؛ الذي هو إشراب لفظ معنى لفظ آخر، فيعطونه حكمه، وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين. وانظر الشاهد رقم [١١٦٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، وهو للفرزدق: [الرجز]

كيف تراني قالبا مجنّي... قد قتل الله زيادا عنّي

{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا} أي: جعلنا قلبه غافلا لا يقبل الهدى، ولا ينتفع بآيات القرآن، و (الذّكر) يطلق على التوحيد، والإيمان، وعلى القرآن، ومحال أن يطيع الرسول صلّى الله عليه وسلّم المطبوع على قلوبهم، فهو مثل سابقه، وفيه دليل على أنّ الله خالق للعبد وعمله، خلافا للمعتزلة. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٧] من سورة (الرعد). {وَاتَّبَعَ هَواهُ} أي: ما تزينه له نفسه من الشرك، وطلب الشهوات الدنيئة، {وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً:} ضياعا، ضيع أمره، وعطل حياته. وقيل: ندما. وقيل: سرفا وباطلا. هذا؛ والفرط بفتحتين ما يتقدم غيره إلى الشيء، فعليه يكون المعنى متقدما على الباطل، وجريئا على ارتكابه، وإقحام نفسه فيه. هذا؛ وانظر شرح:

{هَواهُ} في الآية رقم [٤٣] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام.

تنبيه: جاء في القرطبي، والخازن، وغيرهما: أن الآية نزلت في عيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس التميمي، وغيرهما، أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعنده جماعة من الفقراء، منهم سلمان الفارسي-رضي الله عنه-وعليه شملة من صوف قد عرق فيها، وبيده خوص يشقه، وينسجه، فقال عيينة للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أما يؤذيك ريح هؤلاء، ونحن سادات مضر، وأشرافها إن أسلمنا أسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>