للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسطا؛ خصّها بأكمل الشّرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب، كما قال تعالى: {هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ} وفي سورة (ن): {قالَ أَوْسَطُهُمْ} أي:

أعدلهم، وخيرهم، وقال زهير في معلقته: [الطويل]

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم... إذا نزلت إحدى اللّيالي بمعظم

وفي الحديث: «خير الأمور أوساطها». وفيه عن علي-رضي الله عنه-: «عليكم بالنّمط الأوسط، فإليه ينزل العالي، وإليه يرتفع النّازل». وليس من الوسط الذي بين شيئين في شيء، والوسط بسكون السين: الظرف، تقول: صليت وسط القوم، وجلست وسط القوم. قال الجوهري: كل موضع صلح فيه «بين» فهو وسط، وإن لم يصلح فيه «بين» فهو وسط بالتّحريك.

وانظر الآية رقم [٢٣٧] الآتية.

{لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ} هذا يكون يوم القيامة، يوم يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم السّابقة: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ} فينكرون، ويقولون: {ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} فيسأل الله الأنبياء عن ذلك، فيقولون: كذبوا! قد بلغنا، فيسألهم البينة-وهو أعلم بهم-إقامة للحجّة، فيقولون: أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم تشهد لنا، فيؤتى بأمة محمد، عليه الصلاة والسّلام فيشهدون لهم: أنهم قد بلّغوا، فتقول الأمم الماضية: من أين علموا، وإنّما كانوا بعدنا؟ فيسأل الله هذه الأمّة، فيقولون: أرسلت إلينا رسولا كريما، وأنزلت عليه كتابا مبينا، أخبرتنا فيه بتبليغ الرّسل، وأنت صادق فيما أخبرت. ثم يؤتى بمحمّد سيّد الخلق، وحبيب الحقّ، فيسأل عن حال أمّته، فيزكّيهم ويشهد بصدقهم. انتهى. خازن.

{شُهَداءَ:} جمع شاهد، أو شهيد. {الرَّسُولُ} المراد به هنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم. {الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها} أي: أوّلا، وهي الكعبة المعظّمة، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتوجّه إليها في صلاته، وهو في مكّة، كما رأيت فيما سبق، فلمّا هاجر إلى المدينة المنوّرة؛ أمره ربّه باستقبال بيت المقدس، تألّفا لليهود، فصلّى مستقبلا إيّاه، كما رأيت فيما سبق، ثمّ حوّل، وهو ما تراه في الآية التالية.

{لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ..}. إلخ أي: لنمتحن به الناس، ونميّز من يتّبعك في التّوجه إليها ممّن يرتدّ عن دينك شكّا، وتحيّرا. وقد ارتدّ جماعة. هذا؛ والتعبير بقوله تعالى: {يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ} استعارة تمثيلية؛ حيث مثّل لمن يرتدّ عن دينه بمن ينقلب على عقبيه. ومثل هذه الآية قوله تعالى:

{وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ} الآية [١٤٠] من سورة (آل عمران)، وقوله تعالى:

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ} الآية رقم [٣١] من سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم).

{وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ} أي: وإنّ هذا التوجه والتحويل إلى الكعبة كان امتحانا كبيرا، وشاقّا على ضعفاء الإيمان، لكنّ الذي كتب الله لهم السعادة ثبتهم على الإيمان،

<<  <  ج: ص:  >  >>