للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما} أي: يعقلا، ويدركا قوتهما العقلية، والبدنية، وهو البلوغ، أو ثماني عشرة سنة. {وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما} أي: من تحت الجدار، وذلك إذا بلغا، وعقلا، وقويا. {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي: إن استخراج الكنز من تحت الجدار بيد اليتيمين رحمة رحمهما الله بها، ونعمة سابغة أسبغها عليهما.

{وَما فَعَلْتُهُ} أي: إقامة الجدار. أو الضمير يرجع إلى الأمور الثلاثة التي رأيتها، وهو الأقوى. {عَنْ أَمْرِي} أي: باختياري، وإرادتي، بل فعلته بأمر الله، وإلهامه إياي؛ لأن تنقيص أموال الناس، وإراقة دمائهم، وتغيير أحوالهم لا يكون إلا بالنص، وأمر الله تعالى، واستدل بعضهم بذلك على أنّ الخضر عليه السّلام كان نبيا، لأن هذا يدل على الوحي، وذلك للأنبياء، والصحيح: أنه ولي.

{ذلِكَ تَأْوِيلُ:} شرح، وتفسير {ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} أي: الأمور التي لم تقدر أن تصبر عليها، بل أنكرتها مني. هذا؛ وقد حذفت التاء من المضارع، وهي لغة في «تستطيع» كما حذفت من ماضيه في الآية رقم [٩٧] الآتية، وقد حذفت التاء منهما للخفة؛ لأن التاء قريبة المخرج من الطاء، ومثل الآية قول طرفة بن العبد في معلّقته: [الطويل]

فإن كنت لا تسطيع دفع منيّتي... فدعني أبادرها بما ملكت يدي

تنبيه: لقد أضاف الخضر عليه السّلام العيب إلى نفسه بقوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها} أدبا مع الله؛ لأنه إفساد في الظاهر، وأضاف إرادة البلوغ واستخراج الكنز إلى الله تعالى؛ لأنه إنعام محض، وهو في غير مقدور البشر، فقال: {فَأَرادَ رَبُّكَ..}. إلخ، وأما ذكر القتل؛ فذكره بلفظ الجمع تنزيها على أنه من العلماء العظماء في علم الباطن، وعلوم الحكمة، وأنه لم يقدم على مثل هذا القتل إلا بحكمة عالية، فقال: {فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما..}. إلخ وهو مثل قول إبراهيم عليه الصلاة والسّلام في سورة (الشعراء): {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ..}. إلخ الآية رقم [٧٨] وما بعدها.

قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: ومن فوائد هذه القصة: ألا يعجب المرء بعلمه، ولا يبادر إلى إنكار ما لم يستحسنه، فلعل سرا لا يعرفه، وأن يداوم على التعلم، ويتذلل للمعلم، ويراعي الأدب في المقال، وأن ينبه المجرم على جرمه، ويعفو عنه، حتى يتحقق إضراره، ثم يهاجر عنه.

تنبيه: روي أن الخضر لما ذهب يفارق موسى. قال له موسى: أوصني. قال: كن بساما، ولا تكن ضحاكا، ودع اللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تعب على الخطائين خطاياهم، وابك على خطيئتك يا بن عمران. انتهى. قرطبي، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ:} انظر الآية رقم [٧٩] فهو مثلها. {يَتِيمَيْنِ:} صفة (غلامين) مجرور مثله، وعلامة الجر فيهما الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {فِي الْمَدِينَةِ:} متعلقان بمحذوف صفة ثانية ل‍: (غلامين) أو بمحذوف

<<  <  ج: ص:  >  >>