للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ} وقوله جل شأنه في سورة (مريم):

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ}.

وقد تتعين للردع، أو الاستفتاح، نحو قوله جل شأنه في سورة (المؤمنون): {حَتّى} {قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ} لأنها لو كانت بمعنى: حقا؛ لما كسرت همزة (إنّ)، ولو كانت بمعنى: نعم؛ لكانت للوعد بالرجوع؛ لأنها بعد الطلب، كما يقال: أكرم فلانا، فتقول: نعم، ونحو قوله جل ذكره في سورة (الشعراء): {قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} وذلك لكسر (إنّ)، ولأن «نعم» بعد الخبر للتصديق.

وقد يمتنع كونها للزجر، نحو قوله تعالى في سورة (المدثر): {وَما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاّ وَالْقَمَرِ} إذ ليس قبلها ما يصح رده، وقول الطبري، وجماعة: إنه لما نزل في عدد خزنة جهنم قوله تعالى: {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} قال بعضهم: اكفوني اثنين، وأنا أكفيكم سبعة عشر، فنزل:

{كَلاّ} زجرا له تعسّف؛ لأن الآية لم تتضمن ذلك. انتهى. مغني اللبيب.

أقول: ويتلخص من هذا: أن الأكثر في «كلاّ» أن تكون حرف ردع، وزجر، وذلك إذا سبقها كلام يستدعي ذلك، ولا ردع في سورة (الانفطار)، ولا في سورة (العلق)، ولا في سورة (المطففين)، وما جرى مجراهنّ، وإنما هي للتنبيه، والاستفتاح كما هو واضح، وتكون حرف جواب بمعنى: «إي» كما في قوله تعالى: {كَلاّ وَالْقَمَرِ،} ولا تكون بمعنى: «حقا» كما بينه ابن هشام لعدم فتح همزة (إنّ) بعدها، ونقل الجمل عن السمين للنحويين فيها ستة مذاهب.

والمعتمد ما لخصته لك، والوارد منها في القرآن الكريم ثلاثة وثلاثون موضعا، كلها في النصف الأخير. قال الديربي في تفسيره المنظوم: [الطويل]

وما نزلت كلاّ بيثرب فاعلمن... ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع وزجر. {سَنَكْتُبُ:} السين: حرف استقبال، ومعناها هنا التوكيد. (نكتب): مضارع والفاعل مستتر تقديره: «نحن». {ما:} تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: سنكتب الذي، أو شيئا يقوله ذلك الكافر، وعلى اعتبار {ما} مصدرية تؤوّل مع الفعل بعدها بمصدر في محل نصب مفعول به، التقدير: سنكتب قوله. {وَنَمُدُّ:} مضارع، والفاعل: نحن. {لَهُ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنَ الْعَذابِ:} متعلقان به أيضا، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {مَدًّا} كان صفة له... إلخ، انظر الآية رقم [٤]. {مَدًّا:} مفعول مطلق، والجملة الفعلية:

{وَنَمُدُّ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، الأولى بالاستئناف، والثانية بالإتباع.

<<  <  ج: ص:  >  >>