للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضع الذّنوب على الذنوب وترتجي... درج الجنان وطيب عيش العابد

ونسيت أنّ الله أخرج آدما... منها إلى الدّنيا بذنب واحد

{ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ} أي: اختاره، واصطفاه، ووفقه للتوبة. {فَتابَ عَلَيْهِ} أي: قبل توبته لما تاب إلى الله، وأناب. {وَهَدى} أي: هداه لرشده؛ حتى رجع إلى الندم، والاستغفار.

تنبيه: قوله تعالى: {فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما} المراد المثنى؛ لأن المقصود آدم، وحواء، وقد جمع المضاف، وهو سوآت في محل المثنى، وقد تكلم السيوطي رحمه الله تعالى على هذه المسألة في كتابه: (همع الهوامع) الذي شرحت شواهده، وأعربتها، وأرجو الله أن يمتن عليّ بالتوفيق لطباعته، وها أنا ذا أنقل لك ما قاله بالحرف لتكون على بينة من أمرك.

قال رحمه الله تعالى: الأصل في كلام العرب دلالة كل لفظ على ما وضع له، فيدل المفرد على المفرد، والمثنى على اثنين، والجمع على جمع، وقد يخرج الكلام عن هذا الأصل، وذلك قسمان: مسموع، ومقيس:

فالأول: ما ليس جزءا ممّا أضيف إليه، سمع: ضع في رحالهما، يريد في اثنين، وديناركم مختلفة؛ أي: دنانيركم، وعيناه حسنة؛ أي: حسنتان، وأورد أربعة أبيات شعرية شاهدا لذلك.

قال: ومنه: لبّيك وإخوته، فإنه مثنى وضع موضع الجمع. وقالوا: شابت مفارقه، وليس له إلا مفرق واحد، وعظيم المناكب، وغليظ الحواجب، والوجنات، والمرافق، وعظيمة الأوراك، فكل هذا مسموع لا يقاس عليه، وقاسه الكوفيون، وابن مالك إذا أمن اللبس، وهو ماش على قاعدة الكوفيين من القياس على الشاذ، والنادر. قال أبو حيان: ولو قيس شيء من هذا لالتبست الدلالات، واختلطت الموضوعات.

والثاني: ما أضيف إلى متضمنه، وهو مثنى لفظا، نحو قطعت رءوس الكبشين؛ أي:

رأسيهما، أو معنى، نحو قول الشاعر: [الطويل]

رأيت بني البكريّ في حومة الوغى... كفاغري الأفواه عند عرين

فإن مثل ذلك ورد فيه الجمع، والإفراد، والتثنية، فمن الأول: قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما}. وقوله تعالى: {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما،} ومن الإفراد قراءة الحسن: «(بدت لهما سوأتهما)»، ومن التثنية قراءة من قرأ: «(بدت لهما سوأتاهما)»، وقراءة الجمهور من الأول؛ أي: الجمع.

فطرد ابن مالك قياس الجمع، والإفراد أيضا لفهم المعنى، وخص الجمهور القياس بالجمع، وقصر الإفراد على ما سمع، وورد، وإنما وافق الجمهور على قياس الجمع كراهة اجتماع تثنيتين مع فهم المعنى، ولذلك شرط ألا يكون لكل واحد من المضاف إليه إلا شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>