للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد؛ لأنه إن كان له أكثر التبس، فلا يجوز في قطعت أذني الزيدين الإتيان بالجمع، ولا الإفراد للإلباس، وأورد ستة أبيات شعرية شاهدا لذلك، فإن فرق متضمناهما، كقوله تعالى: {عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}.

فقال ابن مالك أيضا بقياس الجمع، والإفراد، وخالفه أبو حيان؛ لأن الجمع إنما قيس هناك كراهة اجتماع تثنيتين؛ وقد زالت بتفريق المتضمنين. قال: فالذي يقتضيه النظر الاقتصار على التثنية، وإن ورد جمع، أو إفراد؛ اقتصر فيه على مورد السماع. قال: وأما الآية فليس المراد فيها باللسان الجارحة، بل المراد الكلام، أو الرسالة، فليس جزءا من داود، ولا من عيسى عليهما الصلاة والسّلام. انتهى.

أقول: ولم يذكر السيوطي رحمه الله تعالى أرجح الأوجه الثلاثة في الثاني: وهو ما أضيف إلى متضمنه، وهو جمع المضاف، وبقاء المضاف إليه على تثنيته، وبقاء كلّ من المضاف والمضاف إليه على تثنيته، فأرجحهما الوجه الأول، وهذه لغة القرآن كما رأيت، وهو متفق على رجحانه عند جميع النحاة، واختلف في الوجهين الآخرين، فذهب ابن مالك إلى رجحان الثاني:

على الثالث، وذهب أبو حيان إلى العكس، ومنه قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار». وقد أطلت عليك الكلام في ذلك قصد الإفادة، والله ولي التوفيق.

تنبيه: يرد سؤال: آدم معصوم؛ فكيف يخالف النهي؟! وأجيب بوجوه: منها: أنه اعتقد: أن النهي عن أكل الشجرة للتنزيه، لا للتحريم. ومنها: أنه نسي النهي كما رأيت في الآية رقم [١١٥].

ومنها: أنه اعتقد نسخه بسبب مقاسمة إبليس له: أنه من الناصحين، فاعتقد: أنه لا يحلف أحد بالله كذبا. هذا؛ ولا يستدل بما فعله آدم على جواز صدور الذنب من الأنبياء، وإنما ما حصل منهم، ولو عوتبوا عليه إنما وقع منهم على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ، والنسيان، أو تأويل دعا إليه ذلك كالذي رأيته في أسرى بدر في سورة (الأنفال)، وكالإذن الذي كان من النبي صلّى الله عليه وسلّم للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك، كما رأيت في سورة (التوبة)، وكل ذلك لا يقدح في علوّ مناصبهم ورفعة شأنهم، ولقد أحسن الجنيد-رحمه الله تعالى-حيث قال: حسنات الأبرار سيئات المقربين؛ إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس، ولقد اختلف في الذي كان من آدم: هل كان قبل النبوة، أو بعدها؟ والظاهر: أنه أعطي النبوة في الأرض، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {فَأَكَلا:} الفاء: حرف استئناف. (أكلا): ماض، والألف فاعله. {مِنْها:}

متعلقان بالفعل قبلهما، وهما مفعوله في المعنى، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.

{فَبَدَتْ:} ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة، لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث التي هي حرف لا محل له. {لَهُما:} متعلقان بالفعل قبلهما. {سَوْآتُهُما:} فاعل، والهاء في محل جر بالإضافة، والميم والألف حرفان دالان على التثنية، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها،

<<  <  ج: ص:  >  >>