والخبيثات... إلخ؛ لما روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لعن الله السّارق يسرق البيضة، والحبل، فتقطع يده». ولعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الواشمة، والمستوشمة، وآكل الرّبا، ولعن من غيّر منار الأرض، ومن انتسب إلى غير أبيه، ومن عمل عمل قوم لوط، ومن أتى امرأة في دبرها، وغير ذلك». وكلّ ذلك في الصحيح من الأحاديث، وخذ ما يلي:
عن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا لعن شيئا؛ صعدت اللّعنة إلى السّماء، فتغلق أبواب السّماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا؛ رجعت إلى الّذي لعن، فإن كان أهلا، وإلاّ؛ رجعت إلى قائلها». رواه أبو داود.
تنبيه: نزلت الآية الكريمة في أحبار اليهود، ورهبان النّصارى الذين كتموا ما في التوراة كآية الرّجم، ونعت محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهي تعمّ كلّ من كتم شيئا من أحكام الدّين لعموم الحكم؛ فإنّ خصوص السّبب لا يمنع تعميم الحكم إلى يوم القيامة، والأحاديث الشريفة كثيرة في هذا الباب، وخذ ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سئل عن علم، فكتمه؛ ألجم يوم القيامة بلجام من نار». رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة.
وعن أبي سعيد الخدريّ-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كتم علما ممّا ينفع الله به النّاس في أمر الدّين؛ ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار». رواه ابن ماجة.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل الّذي يتعلّم، ثمّ لا يحدّث به، كمثل الّذي يكنز الكنز، ثم لا ينفق منه». رواه الطّبرانيّ في الأوسط.
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تناصحوا في العلم، فإنّ خيانة أحدكم في علمه أشدّ من خيانته في ماله، وإنّ الله مسائلكم». رواه الطّبرانيّ في الكبير.
وهذه الآية هي التي أراد أبو هريرة-رضي الله عنه-في قوله: لولا آية في كتاب الله تعالى ما حدّثتكم حديثا، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا الحكمة أهلها، فتظلموهم، ولا تضعوها في غير أهلها، فتظلموها». وروي عنه صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «لا تعلّقوا الدّرّ في أعناق الخنازير».
وقوله تعالى: {مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى} دلّ على أنّ ما كان من غير ذلك جائز كتمه، لا سيما إن كان مع ذلك خوف، فإنّ ذلك آكد للكتمان، وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف، فقال: حفظت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعاءين، فأمّا أحدهما؛ فبثثته، وأما الآخر؛ فلو بثثته؛ قطع هذا البلعوم.
أخرجه البخاريّ. قال العلماء: وهذا الذي لم يبثّه أبو هريرة-رضي الله عنه-وخاف على نفسه من الفتنة، والقتل، إنّما هو ممّا يتعلق بأمر الفتن، والنّص على أعيان المرتدّين، والمنافقين، ونحو هذا مما لا يتعلّق بالبينات، والهدى. والله تعالى أعلم.