الأرض، وأيضا: لأنها كالذّكر، فنزول المطر من السماء على الأرض، كنزول المني من الذّكر في المرأة، ولأن الأرض تنبت، وتخضرّ بالمطر. ووحّد الأرض؛ لأنها بجميع طبقاتها جنس واحد، وهو التّراب.
وآية السموات: ارتفاعها بغير عمد من تحتها، ولا علائق من فوقها، ثمّ ما فيها من الشمس، والقمر، والنجوم السائرة، والكواكب الزاهرة، شارقة وغاربة، نيّرة وممحوة آية ثانية.
وآية الأرض: مدّها، وبسطها، وما فيها من الجبال، والبحار، والمعادن، والجواهر، والأنهار، والأشجار، والثمار، وما بثّ فيها من أجناس المخلوقات: فيعلم العباد حينئذ أنّ لهما خالقا مدبّرا حكيما؛ لأنّ عظم آثاره، وأفعاله تدلّ على عظم خالقها، كما قيل: [المتقارب]
وفي كلّ شيء له آية... تدلّ على أنّه واحد
{وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ:} بالذهاب، والمجيء، والزيادة، والنقصان. قال تعالى في كثير من الآيات: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ،} وقال تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وانظر الآية رقم [٥١] لشرحهما.
{وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ:} ({الْفُلْكِ}) يقرأ بضمّ الفاء وسكون اللام، وبضمّهما، وهو يطلق على المفرد، والجمع. يذكّر، ويؤنّث، قال تعالى: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} فأنّث.
ويحتمل الإفراد، والجمع. قال تعالى: {حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} فجمع، وأنّث، وكأنه يذهب بها إذا كانت واحدة إلى المركب، فيذكّر، وإلى السّفينة، فيؤنّث. وقد ألغز فيها الشاعر، حيث قال: [الطويل]
مكسّحة تجري ومكفوفة ترى... وفي بطنها حمل على ظهرها يعلو
فإن عطشت عاشت وعاش جنينها... وإن شربت ماتت وفارقها الحمل
ولا تنس: أنّ أول من اخترع السّفينة-وهي الفلك-نوح، على نبيّنا، وشفيعنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ومن تصميمها وشكلها أخذت البشرية تصنع السّفن، وتتطوّر جيلا بعد جيل، حتّى وصلت إلى ما وصلت إليه في العصر الحاضر. هذا؛ وقد كانت السّفن في الزّمن الماضي تسير بواسطة الرّياح، وأما في أيامنا هذه فإنّها تسير بواسطة البخار، وفي الزّمن الماضي كان البحّارون يلقون العناء إذا اضطرب البحر، أو عاكست الرياح (١)، وقد عبّر المتنبي عن ذلك بقوله: وهو جار مجرى المثل: [البسيط]
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه... تأتي الرّياح بما لا تشتهي السّفن
١) أقول: ولا يزال، وسيبقى البحارون يلقون العناء والمشقة إذا اضطرب البحر، وفي زماننا هذا نسمع كثيرا عن غرق كثير من السفن، والعبارات بسبب سوء الأحوال الجوية، واضطراب البحر.