هذا؛ وروى علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه-موقوفا عليه، قال: إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه، وقال: أي رب! مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة قذفها في الرحم دما، ولم تكن نسمة، وإن قال: مخلقة، قال الملك: أي رب! أذكر، أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ ما الأجل؟ ما العمل؟ ما الرزق؟ بأي أرض تموت؟ فيقال له: اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك، فيذهب، فيجدها في أم الكتاب، فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته.
وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الصادق المصدّق:«إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوما، ثمّ يكون علقة مثل ذلك، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك، ثمّ يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيّ أو سعيد، فو الذي لا إله غيره! إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتّى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». رواه البخاري، ومسلم.
{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} أي: وإنما نقلناكم من حال إلى حال، ومن خلقة إلى خلقة؛ لنبين لكم بهذا التدريج كمال قدرتنا، وحكمتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا، ثم من نطفة ثانيا، ولا مناسبة بين الماء والتراب، وقدر أن يجعل النطفة علقة، والعلقة مضغة، والمضغة عظاما؛ قدر على إعادة ما بدأه. {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ} أي: نثبت في أرحام الأمهات. {ما نَشاءُ} أي:
الذي نشاء ثبوته، والتعبير ب:{ما} عن الحمل، والمراد به العاقل من بني آدم؛ لأن الكلام على العلقة، والمضغة، وهما جماد قبل نفخ الروح فلذا صح التعبير عنهما ب:{ما} التي هي لغير العاقل. {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: وقت الولادة، أي وما لم نشأ ثبوته؛ أسقطته الأرحام.
{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أي: وقت الولادة من بطون أمهاتكم، المراد ب:{طِفْلاً} الجنس، ولذا لم يجمع، وأيضا فإن العرب قد تسمي الجمع باسم الواحد، قال الشاعر:[الكامل]
يا عاذلاتي، لا تردن ملامتي... إنّ العواذل لسن لي بأمير
لم يقل: بأمراء. وقال المبرد: هو اسم يستعمل مصدر كالرضا، والعدل، فيقع على الواحد وعلى الجمع، قال الله تعالى:{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ} وانظر شرح:
{سامِراً} في الآية رقم [٦٧] من سورة (المؤمنون). والطفل: ولد كل وحشية، والمطفل: ذات الطفل من الإنسان، والحيوان، والوحش... إلخ، والجمع: مطافل، ومطافيل. {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} أي: كمال العقل، والقوة، والتمييز، والأشد جمع: شدة، كالأنعم جمع: نعمة، وقيل: هو من ألفاظ الجموع التي لا يستعمل لها واحد. {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّى} أي: عند بلوغ