للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال جلّ ذكره: {حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} والسّحاب: الغيوم التي تراها العيون في السماء، وهو واحد في اللفظ، ولكنه جمع، وقيل: السّحاب اسم جنس، واحده:

سحابة، فلذلك وصف بالجمع، وهو {الثِّقالَ} في آية (الرّعد)، وتجمع السّحابة على: سحاب، وسحائب، وسحب، وهو غربال الماء، قاله عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. هذا؛ وقيل:

السحاب: الغيم فيه ماء، أولم يكن فيه ماء، وأصل السّحب الجرّ، وسمّي السّحاب سحابا، إمّا لجرّ الريح له، أو لجرّه الماء، أو لانجراره في سيره.

فقد روى مسلم-رحمه الله تعالى-عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

«بينما رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحّى ذلك السّحاب، فأفرغ ماءه في حرّة، فإذا شرجة من تلك الشّراج قد استوعبت ذلك الماء كلّه، فتتبّع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحوّل بمسحاته، فقال له: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان- للاسم الّذي سمع في السّحابة-فقال له: يا عبد الله! لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إنّي سمعت صوتا في السّحاب الّذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمّا إذ قلت هذا؛ فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدّق بثلثه، وآكل أنا، وعيالي ثلثه، وأردّ ثلثه إلى الأرض». القرطبيّ. الحرّة: أرض ذات حجارة سود، والشّرجة: طريق الماء، وسبيله.

{لَآياتٍ:} دلالات واضحة على وحدانية الله، وقدرته. {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:} يتدبرون وانظر شرح العقل في الآية رقم [٤٤].

بعد هذا؛ فقد نزلت الآية الكريمة حيث طلب المشركون دليلا على وحدانية الله المذكور في الآية السّابقة، وعن عطاء-رحمه الله تعالى-قال: أنزل بالمدينة على النبي صلّى الله عليه وسلّم: {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} فقال كفار قريش بمكّة: كيف يسع الناس إله واحد؟! فأنزل الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ..}. إلخ. هذا؛ وروي: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ويل لمن قرأ هذه الآية فمجّ فيها» أي: لم يتفكر فيها، ولم يعتبر بها، ومثلها في (آل عمران) رقم [١٩٠].

وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: إنّ الرياح ثمان: أربع منها عذاب، وهي:

القاصف، والعاصف، والصّرصر، والعقيم، وأربع منها رحمة، وهي: الناشرات، والمبشرات، والمرسلات، والذّاريات.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {فِي خَلْقِ:} متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر {إِنَّ} تقدم على اسمها، و {خَلْقِ} مضاف، و {السَّماواتِ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف؛ إذ التقدير: خلق الله السّماوات. وقال الجمل: الخلق هنا بمعنى المخلوق؛ إذ الآيات التي تشاهد إنّما هي في المخلوق، الذي هو السّماوات والأرض، وحينئذ فالإضافة بيانية. انتهى. {وَالْأَرْضِ:} معطوف على ما قبله، {وَاخْتِلافِ:} معطوف على {خَلْقِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>