للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكر حمزة، وعلي بأسيافهما على عتبة، فذفّفا عليه، واحتملا عبيدة إلى أصحابه، وقد قطعت رجله، ومخها يسيل، فلما أتوا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ألست شهيدا يا رسول الله! قال: «بلى!»، فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حيّا لعلم: أنّا أحق بما قال منه، حيث يقول: [الطويل]

ونسلمه حتّى نصرّع حوله... ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت الآيات في المسلمين، وأهل الكتاب، قال أهل الكتاب، أي: اليهود: نحن أولى بالله، وأقدم كتابا منكم، ونبيّنا قبل نبيكم. وقال المسلمون:

نحن أحقّ بالله، آمنّا بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، ونبيّكم، وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون نبينا، وكتابنا؛ وقد كفرتم حسدا، وبغضا. فهذه هي خصومتهم.

وقال عكرمة: المراد بالخصمين: الجنة، والنار، فقد اختصمتا، فقالت النار: خلقني الله لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني لرحمته. فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «احتجّت الجنة، والنار، فقالت النار: فيّ الجبّارون، والمتكبّرون. وقالت الجنّة: فيّ ضعفاء المسلمين، ومساكينهم. فقضى الله بينهما: إنك الجنّة رحمتي، أرحم بك من أشاء، وإنّك النّار عذابي، أعذّب بك من أشاء، ولكليكما عليّ ملؤها». رواه مسلم، وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه رواها البخاري، ومسلم: «فأمّا النار فلا تمتلئ حتّى يضع الله تبارك وتعالى رجله فتقول: قط، قط، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم ربّك أحدا من خلقه. وأمّا الجنة فإنّ الله تعالى ينشئ لها خلقا».

وقيل: هم المؤمنون، والكافرون من أيّ ملة كانوا، فالمؤمنون خصم، والكفار خصم.

والمعتمد من هذه الأقوال هو القول الأول، فقد روي عن علي-رضي الله عنه-أنه قال: إني لأول من يجثو للخصومة بين يدي الله تعالى، يريد قصته في مبارزته، هو وصاحباه. ذكره البخاري.

بعد هذا ف‍: {خَصْمانِ} تثنية خصم، وهو هنا بمعنى فريق، أو فوج، على حد قوله تعالى:

{وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا؛} ولذا جمع في قوله تعالى: {اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ومعنى {فِي رَبِّهِمْ} في دينه، أو في ذاته، أو في صفاته. {فَالَّذِينَ كَفَرُوا:} -وهو فصل الخصومة المعني بقوله تعالى في الآية رقم [١٧]: {إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} - {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ:} قال سعيد بن جبير-رضي الله عنه-: ثياب من نحاس مذاب، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشد حرا منه، وسمي باسم الثياب؛ لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب، وهي السرابيل المذكورة في الآية رقم [٥٠] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام. هذا؛ وقيل: في الكلام استعارة تمثيلية، وليس بشيء؛ لأنه حقيقة، كما رأيت من قول سعيد بن جبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>