{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ} بأن تقولوا عند ذبحها: بسم الله، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر. اللهم إنّ هذا منك وإليك. و {صَوافَّ} قائمة معقولة إحدى قوائمها، توقف، وقد صفت رجلاها ويدها اليمنى، والأخرى معقولة، أي: مربوطة ركبتها، فتنحر كذلك، وهو سنة. عن زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها، قال: ابعثها قياما مقيّدة سنة محمد صلّى الله عليه وسلّم. متفق عليه.
{فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها} أي: سقطت بعد النحر، ووقع جنبها على الأرض، وهو كناية عن الموت. كما كنى عن النحر، والذبح بقوله: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها}. {فَكُلُوا مِنْها:} أمر معناه الندب، فقال كل الفقهاء: يستحب أن يأكل من هديه، وفيه أجر، وثواب، ومخالفة لما كان الجاهليون من الامتناع من أكلها. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٨] فإنه جيد.
{وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ:} فالأول: هو الراضي بما عنده، وبما يعطى من غير مسألة، فهو جالس في بيته متعفف عن ذلّ المسألة، والثاني: هو الذي يريك نفسه، ويتعرض، ولا يسأل.
وقيل: القانع: السائل، وعليه يكون قانع من الأضداد، فإن كان فعله: قنع، يقنع من باب:
سلم، وعلم؛ فهو من القناعة، وهو الرضا، والعفة عن التذلل بالسؤال، وإن كان فعله: قنع، يقنع من باب: فتح، وقطع، فهو من التذلل بالسؤال، وعليه قولهم: والعبد حرّ إن قنع، والحر عبد إن قنع، ومصدر الأول: قنعا، وقناعة، ومصدر الثاني: قنوع بضم القاف. وقال بعض أهل العلم: إن القنوع بضم القاف أيضا قد يكون بمعنى: الرضا، والقانع بمعنى: الراضي، وأنشد قول الشاعر: [الوافر]
وقالوا: قد زهيت فقلت كلاّ... ولكنّي أعزّني القنوع
وقال لبيد بن ربيعة الصحابي رضي الله عنه: [الطويل]
فمنهم سعيد آخذ بنصيبه... ومنهم شقيّ بالمعيشة قانع
وفي المثل: خير الغنى القنوع، وشرّ الفقر الخضوع. انتهى. مختار. وخذ قول أبي ذؤيب الهذلي: [الكامل]
والنّفس راغبة، إذا رغّبتها... وإذا تردّ إلى قليل تقنع
هذا؛ والقنوع بفتح القاف بوزن «فعول» هو مبالغة اسم الفاعل: قانع على الاعتبارين اللذين رأيتهما. هذا؛ والأمر للوجوب عند الشافعي، رضي الله عنه.
{كَذلِكَ:} أي: مثل ما وصفنا من نحرها قياما. {سَخَّرْناها لَكُمْ:} ذللناها لكم مع عظمها، وقوتها حتى تأخذونها منقادة، فتعقلونها، وتحبسونها صافّة قوائمها، ثم تطعنون في لباتها.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:} إنعامنا عليكم بالهداية، والإيمان، والتوفيق، والإذعان لما يرضي الواحد