تنبيه: نزلت الآية الكريمة في قوم من مشركي مكة لقوا قوما من المسلمين في البرية، وذلك بعد الهجرة لليلتين بقيتا من المحرم، فقالوا: إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام، فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبى المشركون إلا القتال، فحملوا عليهم، فثبت المسلمون، ونصرهم الله على المشركين، وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء، فنزلت هذه الآية، وما أشبه هذه الواقعة بالواقعة المذكورة في الآية رقم [٢١٦] من سورة (البقرة) إن لم تكن هي نفسها، فهي شبيهتها. تأمل.
وقيل: نزلت في قوم من المشركين مثّلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد، فعاقبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثله، فتكون هي الحادثة المذكورة في الآية رقم [١٢٦] وما بعدها من سورة (النحل).
هذا؛ وأما (مثل) فهو بكسر الميم، وسكون الثاء؛ ومثله: مثيل، نحو شبه، وشبيه: وهو اسم متوغل في الإبهام، فلا يتعرف بإضافته إلى الضمير، وغيره من المعارف؛ ولذلك نعتت به النكرة في قوله تعالى حكاية عن قول فرعون وقومه:{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} ويوصف به المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، وهو واضح في مواضعه، وتستعمل على ثلاثة أوجه: الأول: بمعنى: الشبيه، كما في الآية الكريمة، ونحوها. والثاني: بمعنى نفس الشيء، وذاته، كما في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} عند بعضهم، حيث قال: المعنى: ليس كذاته شيء. والثالث: زائدة، كما في قوله تعالى:{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} أي بما آمنتم به، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٨] من سورة (المؤمنون).
هذا؛ وأما المثل في قوله تعالى:{ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً..}. إلخ وشبهه فهو عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر، بينهما مشابهة؛ ليتبين أحدهما من الآخر، ويصوره.
وقيل: هو تشبيه شيء بشيء آخر وبالجملة: هو القول السائر بين الناس، والذي فيه غرابة من بعض الوجوه والممثل بمضربه، أي: هو الحالة الأصلية التي ورد الكلام فيها. وما أكثر الأمثال في اللغة العربية، علما بأن الأمثال لا تغير، تذكيرا، وتأنيثا، إفرادا، وتثنية، وجمعا، بل ينظر فيها دائما إلى مورد المثل، أي أصله، مثل:(الصّيف ضيّعت اللّبن) فإنه يضرب لكل من فرط في تحصيل شيء في أوانه، ثم طلبه بعد فواته.
هذا؛ وأما «البغي» الذي هو مصدر (بغي عليه): فهو الظلم، والاعتداء على حق غيرك.
وعواقبه ذميمة، ومال الباغي وخيم، وعقباه أليمة، ولو أن له جنودا بعدد الحصى، والرمل، والتراب، ورحم الله من يقول:[البسيط]
لا يأمن الدهر ذو بغي، ولو ملكا... جنوده ضاق عنها السّهل والجبل