قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كانوا يطلون الأصنام بالطيب والعسل، ويغلقون عليها الأبواب، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله. وقيل: كانوا يضعون الطعام بين أيدي الأصنام، فيقع الذباب عليه ويأكل منه، والأول أولى بالاعتبار، بل إن هذه الآلهة المصطنعة لا تقدر أن تدفع السوء عن نفسها، وقصة إبراهيم-عليه السّلام-في سورة (الأنبياء) شاهد على ذلك.
وخذ ما يلي يروى: أن رجلا من بني سلمة اسمه غاوي بن ظالم كان سادنا على صنم لقومه، وكان يأتيه بالخبز، والزبد، ويضعه على رأسه لعله يأكل، فبينما هو كذلك إذ أقبل ثعلب ذات يوم، فرفع رجله بعد أن أكل الخبز، والزبد، وبال على رأس الصنم، ثم إن الرجل كسر الصنم، وأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسلم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما اسمك؟ قال له: غاوي بن ظالم، فقال له: اسمك راشد بن عبد الله، وكان لما كسر الصنم قال أبياتا هاكها:[الطويل]
لقد خاب قوم أمّلوك لشدّة... أرادوا نزالا أن تكون تحارب
فلا أنت تغني عن أمور تواترت... ولا أنت دفّاع إذا حلّ نائب
أربّ يبول الثّعلبان برأسه؟ ... لقد هان من بالت عليه الثعالب
{ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ:} العابد، والمعبود. أو الطالب: الذباب، والمطلوب:
الصنم. وقيل: بالعكس. هذا؛ وخص الذباب بالذكر لأربعة أمور تخصّه: لمهانته، وضعفه، ولا ستقذاره، وكثرته، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان، وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله-عز وجل-على خلق مثله، ودفع أذيته، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين، وأربابا مطاعين، ولكن لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
بعد هذا انظر شرح (مثل) في الآية رقم [٦٠]، وشرح {شَيْءٍ} في الآية رقم [٣٠] من سورة (الأنبياء). هذا؛ وأما (الذباب) فهو اسم جنس مثل: إبل، وبقر يقع على الذكر، والأنثى، وجمع القلة منه: أذبّة، وجمع الكثرة منه: ذبّان، مثل غراب، وأغربة، وغربان، وسمي به لكثرة حركته، قال الجوهري: والذباب معروف، الواحدة: ذبابة، ولا تقل: ذبّانة. والمذبّة: ما يذبّ به الذباب، وذباب السيف: طرفه الذي يضرب به، وذباب العين: إنسانها، والذبابة: البقية من الدين، وذبّب النهار: إذا لم يبق منه إلا بقية، والتذبذب: التحرك، وقال تعالى عن المنافقين:
{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ} أي: مترددين بين الإيمان، والكفر.
فائدة: ذكر: أن المنصور العباسي كان في مجلسه؛ وعنده بعض العلماء، فسقطت عليه ذبابة، فدفعها، فرجعت، وتكرر منه طردها، وهي تعاود السقوط على وجهه، وغيره، فضجر منها، فقال: لماذا خلقها الله تعالى؟ لا ريح لها طيب، ولا شكل جميل! فقال أحد العلماء: