{هُوَ اجْتَباكُمْ} أي: اختاركم للذبّ عن دينه، والتزام أمره. وهذا تأكيد للأمر بالمجاهدة، أي: وجب عليكم أن تجاهدوا؛ لأن الله اختاركم له. والخطاب لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فأية رتبة أعلى من هذا؟! وأية سعادة فوق هذا؟!.
{وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي: ضيق، وشدة، وهو أن المؤمن لا يبتلى بشيء من الذنوب إلا جعل الله منه مخرجا، بعضها بالتوبة، وبعضها برد المظالم والقصاص، وبعضها بأنواع الكفارات من الأمراض، والمصائب، وغير ذلك فليس في دين الإسلام ما لا يجد فيه العبد سبيلا إلى الخلاص من الذنوب، ومن العقاب لمن وفق. وقيل: معناه: الرخص عند الضرورات، كقصر الصلاة، والفطر في السفر، والتيمم عند فقد الماء، وأكل الميتة عند الضرورة، والصلاة قاعدا، والفطر مع العجز بعذر المرض، ونحو ذلك من الرخص؛ التي رخص الله لعباده المؤمنين.
قيل: أعطى الله هذه الأمة خصلتين، لم يعطهما أحد غيرهم: جعلهم شهداء على الناس، وما جعل عليهم في الدين من حرج. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الحرج: ما كان على بني إسرائيل من الآصار التي كانت عليهم وضعها الله عن هذه الأمة. هذا؛ وقال العلماء:
رفع الحرج إنما هو لمن استقام على منهاج الشرع، وأما السلابة، والسراق وأصحاب الجرائم من زنى، وقتل نفس، وغير ذلك؛ فعليهم الحرج بإقامة الحدود عليهم، وهم جاعلوه على أنفسهم بمخالفة أوامر رب العالمين، وعدم الاهتداء بهدي نبيه الأمين صلّى الله عليه وسلّم.
{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ} أي: ملتكم ملة إبراهيم. أو: اتبعوا ملة إبراهيم، وإنما سمى إبراهيم أبا لهذه الأمة كلها؛ لأنه أبو العرب قاطبة، وأيضا هو أبو المسلمين أب احترام. والمعنى: أن وجوب احترامه وحفظ حقه يجب، كما يجب احترام الأب، فهو كقوله تعالى:{وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما أنا لكم كالوالد». أي: في وجوب التقدير، والاحترام.
{هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ:} الضمير يعود إلى {اللهِ} والمعنى: أن الله سماكم المسلمين في الكتب القديمة. أو الضمير يعود إلى إبراهيم عليه السّلام، والمعنى: أن إبراهيم سماكم المسلمين في أيامه من قبل هذا الوقت، وهو قوله:{رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} فاستجاب الله دعاءه فينا. والمعتمد الأول. {وَفِي هذا} أي: وفي القرآن سماكم المسلمين. {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ} يعني: يوم القيامة: أنه قد بلغكم. {وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ} أي: تشهدون يوم القيامة على الأمم: أن رسلهم قد بلغتهم، وهذا المعنى قد ذكر في سورة (البقرة) رقم [١٤٣] وذلك في قوله تعالى: {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}.
{فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} أي: فتقوبوا إلى الله بأنواع الطاعات؛ لما خصكم به من أنواع الفضل، والشرف. وانظر شرح (الصلاة، والزكاة) في الآية رقم [٣١] من سورة (مريم) على نبينا،