للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحبيبنا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام، {وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ} أي: ثقوا به، وتوكلوا عليه، ولا تطلبوا الإعانة، والنصرة إلا منه. {هُوَ مَوْلاكُمْ:} ناصركم، ومتولي أمركم. {فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ؛} إذ لا مثل له في الولاية، والنصرة، بل لا مولى، ولا ناصر سواه في الحقيقة.

بعد هذا انظر شرح لفظ الجلالة في الآية رقم [٣] أما (الملّة) فهي: الطريقة، والديانة، وهي بفتح الميم: الرماد الحار. و (الدّين) بكسر الدّال اسم لجميع ما يعبد به الله تعالى، و (الدّين) أيضا:

الملة، والشريعة، ومن هذا قوله تعالى: {ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} و (الدّين): الحساب، والجزاء، ومنه {يَوْمِ الدِّينِ} أي: يوم الحساب، والجزاء. ومنه: كما تدين تدان؛ أي: كما تفعل تجازى. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: يوم الدين يوم حساب الخلائق، يدينهم بأعمالهم، إن خيرا؛ فخير، وإن شرا؛ فشرّ؛ إلا من عفا الله عنه، والأمر أمره. ثم قال: ألا له الخلق، والأمر. هذا؛ والدّين-بفتح الدال-: القرض المؤجل، وجمع الأول: أديان، وجمع الثاني: ديون، وأدين. هذا؛ والدينونة: القضاء والحساب، والدّيانة: اسم لجميع ما يتعبد به الله.

أما (نعم) فهي فعل ماض لإنشاء المدح، وضدها: «بئس» لإنشاء الذم، ف‍: «نعم» منقول من: نعم فلان-بفتح النون، وكسر العين-: إذا أصاب النعمة، و: «بئس» منقول من: «بئس» فلان-بفتح الباء، وكسر الهمزة-: إذا أصاب بؤسا، فنقلا إلى المدح، والذم، فشابها الحروف، فلم يتصرفا، وفيهما أربع لغات: نعم، وبئس بكسر فسكون، وهي أفصحهنّ، وهي لغة القرآن، ثم: نعم، وبئس بكسر أولهما وثانيهما، غير أن الغالب في نعم أنه يجيء بعدها (ما) كقوله تعالى: {نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ} وبئس جاءت بعدها (ما) على اللغة الأولى الفصحى، كقوله تعالى:

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} واللغة الثالثة: نعم وبئس، بفتح فسكون. والرابعة: نعم، وبئس بفتح فكسر، وهي الأصل فيهما. ولا بد لهما من شيئين: فاعل، ومخصوص بالمدح، أو الذم، والقول بفعليتهما إنما هو قول البصريين، والكسائي، بدليل دخول تاء التأنيث عليهما في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ يوم الجمعة؛ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل».

وقال الكوفيون إلا الكسائي: هما اسمان بدليل دخول حرف الجر عليهما في قول أعرابي، وقد أخبر بأن امرأته ولدت بنتا له: (والله ما هي بنعم الولد نصرها بكاء، وبرّها سرقة)، وقول غيره: (نعم السّير على بئس العير)، وأوّله البصريون على حذف كلام مقدّر؛ إذ التقدير: (والله ما هي بولد مقول فيه: نعم الولد، ونعم السّير على عير مقول فيه: بئس العير)، والمعتمد في ذلك قول البصريين هذا؛ ويجب في فاعلهما أن يكون مقترنا ب‍: «أل» أو مضافا لمقترن بها، أو ضميرا مميزا بنكرة، أو كلمة «ما» فالأول: كما في الآية الكريمة، والثاني: نحو قوله تعالى: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ}. والثالث: مثل قوله تعالى {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً،} والرابع: نحو قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>