للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السريعة، والوحي: الكتاب المنزل على الرسول المرسل لقومه، مثل: موسى، وعيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم أجمعين، والوحي: الكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك، وتسخير الطير لما خلق له إلهام، والوحي إلى النحل، وتسخيرها لما خلقها الله له إلهام أيضا؛ حيث تبني بيوتها على شكل هندسي يعجز عنه العقل البشري، ولها تنظيم في حياتها يدهش أولي الألباب. {أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} أي: اعمل السفينة التي ستنجو فيها أنت، ومن آمن معك، وإني أحيلك على الآيات رقم [٣٦] وما بعدها من سورة (هود)، فإنك ستجد الشرح فيها وافيا كافيا، ومعنى (اسلك): أدخل فيها، واجعل فيها، يقال: سلكته في كذا، وأسلكته فيه: إذا أدخلته. قال عبد مناف بن ربع الهذلي: [البسيط]

حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة... شلاّ كما تطرد الجمّالة الشّردا

قتائدة: موضع بعينه، والشل الطرد، والشرد جمع شرود. ومعنى {سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} أي: في تقدير الله الأزلي بهلاكه لكفره، وإنما جيء بعلى؛ لأن السابق ضار، كما جيء باللام حيث كان نافعا في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} الآية رقم [١٠١] من سورة (الأنبياء). هذا؛ وقد قال الحسن-رحمه الله تعالى-: لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد، أو يبيض، فأما البق، والذباب، والدود؛ فلم يحمل شيئا منها، وإنما خرج من الطين، والذين سبق عليه القول منهم هنا، ما عبر عنه في قوله تعالى: {وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} وكان من جملتهم ابنه كنعان، ووالدته كما رأيت في سورة (هود) عليه السّلام.

{وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا:} ولا تسألني نجاة الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وارتكاب المعاصي. {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ:} لا محالة لظلمهم أنفسهم بالشرك، والمعاصي. هذا؛ وتأكيد الجملة الاسمية ب‍: (إنّ) لأن المقام يقتضي ذلك، فكأن سائلا سأل عن سبب النهي، فجيء بإن المؤكدة، وهذا من مباحث علم المعاني، كما لا يخفى.

هذا؛ وقد يعترض بعض الناس على سبق قضاء الله، وقدره بكفر الكافرين، فيقول: إذن لا مؤاخذة عليهم، فكيف يعذبهم الله ما داموا مقدرا عليهم ذلك؟ والجواب: أن هذا التقدير مبني على علم الله الأزلي بأن العبد منهم لو ترك، وشأنه لم يختر سوى الكفر، والضلال، ولذا قدره الله عليهم، هذا بالإضافة لما نصب لهم في هذا الكون من دلائل على قدرته، ووحدانيته، وبعد أن بين الله لكل واحد منهم طريق الخير، وطريق الشر، والحسن، والقبيح، كما قال جل ذكره:

{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} أي: بينا له طريق الخير، وطريق الشر، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {فَأَوْحَيْنا:} الفاء: حرف استئناف. (أوحينا): فعل، وفاعل. {إِلَيْهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {أَنِ:} حرف تفسير. {اِصْنَعِ:} أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {الْفُلْكَ:} مفعول به، والجملة الفعلية مفسرة لا محل لها من

<<  <  ج: ص:  >  >>