للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْمَيْتَةَ} أي: أكلها، أو الانتفاع بشيء منها، وهي الّتي ماتت من غير ذكاة شرعية، والحديث ألحق بها ما أبين من حيوان حيّ، وخصّ منها السّمك، والجراد بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:

«أحلّت لنا ميتتان، ودمان: السّمك، والجراد، والكبد، والطّحال».

وكذلك جنين المذكّاة الميت في بطنها، فأكله جائز من غير تذكية له إلا أن يخرج حيا فيذكّى، ويكون له حكم أمّه، فقد روى جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن البقرة، والشاة تذبح، والناقة تنحر، فيكون في بطنها جنين ميّت، فقال: «إن شئتم فكلوه؛ لأنّ ذكاته ذكاة أمّه». أخرجه أبو داود بمعناه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

هذا؛ ويلحق بالميتة ذبيحة كل وثنيّ، ووثنية، بخلاف ذبيحة الكتابيّ، والكتابية، فإنّها تؤكل، وكذا نكاح المحصنات من أهل الكتاب جائز لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥].

هذا؛ وأصل الميتة بتشديد الياء؛ لأن بناءه فيعلة، والأصل ميوتة فقل في إعلاله: اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداها بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، والميتة والميت بفتح الميم وسكون الياء فيهما، وهو من فارقت روحه جسده، وجمعه: أموات. وأما المشدّد فهو الحيّ الذي سيموت، وعليه قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ،} وجمعه: موتى، قال بعض الأدباء في الفرق بينهما: [الطويل]

أيا سائلي تفسير ميت وميّت... فدونك قد فسّرت ما عنه تسأل

فمن كان ذا روح فذلك ميّت... وما الميت إلاّ من إلى القبر يحمل

هذا هو الأصل الغالب في الاستعمال. وقد يتعاوضان كما في قول عديّ بن الرّعلاء الغسّاني-وهو الشّاهد رقم [٨٣٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الخفيف]

ليس من مات فاستراح بميت... إنّما الميت ميّت الأحياء

إنما الميت من يعيش كئيبا... كاسفا باله قليل الرّجاء

({الدَّمَ}): المراد به دم الحيوان الذي يذبح، كان الجاهليون يجمدونه، ويقلونه بالزيت، ونحوه، ويأكلونه. اتفق العلماء على أنّ الدّم حرام نجس، لا يؤكل، ولا ينتفع به، قال ابن خويز منداد: وأمّا الدّم فحرام ما لم تعم به البلوى، ومعفو عمّا تعمّ به لبلوى، والذي تعم به البلوى هو الدم في اللحم وعروقه، ويسيره في البدن، والثوب يصلى فيه. وقد روت عائشة -رضي الله عنها-: كنّا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يعلوها الصفرة من الدّم، فنأكل، ولا ننكره؛ لأنّ التحفظ من هذا إصر، وفيه مشقة، والإصر، والمشقّة في الدّين موضوع. وقد أحلّ لنا دمان بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أحلّ لنا من الدّم دمان، ومن الميتة ميتتان: الحوت، والجراد،

<<  <  ج: ص:  >  >>