للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن وجهه. أي: مقلوب عن وجهه الصحيح إلى الباطل، ومنه قيل للكذاب: أفّاك؛ لأنه يقلب الكلام عن وجهه الصحيح إلى الباطل، قال تعالى: {فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ}. {عُصْبَةٌ:}

جماعة، وهي ما بين العشرة إلى الأربعين، ومثلها العصابة، ولا واحد لها من لفظها، كالنفر، والرهط، والمعشر... إلخ، والمراد هنا ب‍: {عُصْبَةٌ} عبد الله بن أبيّ، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، ومن ساعدهم، وقال بقولهم. {لا تَحْسَبُوهُ:} لا تظنوه، والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولعائشة، ولأبويها، ولصفوان المتهم فيها، وإنما كان ما أشيع على السيدة عائشة-رضي الله عنها-خيرا؛ لأن الله آجرهم على ذلك أجرا عظيما، وأظهر براءتها، وشهد بكذب العصبة، وأوجب لهم الذم، وهذا غاية الفضل والشرف للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولعائشة، ولأبويها، ولصفوان، ومن ساءه ذلك من المؤمنين.

{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ} أي: من العصبة الكاذبة. {مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} أي: ما اجترح من الذنب، وعلى قدر ما خاض فيه. هذا؛ والخير في الحقيقة: ما زاد نفعه على ضره، والشر: ما زاد ضره على نفعه، وإن خيرا لا شرّ فيه هو الجنة، وشرّا لا خير فيه هو النار، فأما البلاء النازل على الأولياء فهو خير؛ لأن ضرره من الألم قليل في الدنيا، وخيره هو الثواب الكثير في الآخرة، فنبه الله عائشة، وأهلها، وصفوان بهذا الخطاب لهم لرجحان النفع، والخير على جانب الشر في حقهم.

{وَالَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ:} تحمل معظمه، وبدأ بالخوض فيه، وقام بإشاعته، وهو عبد الله بن أبيّ ابن سلول. {لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ} أي: عذاب النار في الآخرة، وروي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بالذين تكلموا في عائشة، فجلدوا الحد جميعا ثمانين ثمانين جلدة. وقيل: لم يحد أحد منهم. وقيل:

حد حسان، ومسطح، ولم يحد ابن أبيّ، والمعتمد: أنهم حدوا جميعا، وفي ذلك قال شاعر من المسلمين: [الطويل]

لقد ذاق حسّان الّذي كان أهله... وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح

وابن سلول ذاق في الحدّ خزية... كما خاض في إفك من القول يفصح

تعاطوا برجم الغيب زوج نبيّهم... وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: المشهور من الأخبار، والمعروف عند العلماء: أن الذي حدّ حسان، ومسطح، وحمنة، ولم يسمع بحد لعبد الله بن أبيّ، وإنما لم يحدّ؛ لأن الله تعالى قد أعدّ له في الآخرة عذابا عظيما، فلواحدّ في الدنيا، لكان ذلك نقصا من عذابه في الآخرة، وتخفيفا عنه، وإنما حدّ هؤلاء المسلمون ليكفر عنهم إثم ما صدر عنهم من القذف حتى لا يبقى عليهم تبعة من ذلك في الآخرة، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم في الحدود: «إنها كفارات لمن أقيمت عليه». كما في حديث عبادة بن الصامت، -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>