للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحتمل أن يقال: إنما ترك حد ابن أبيّ استئلافا لقومه، واحتراما لابنه، وإطفاء لثائرة الفتنة المتوقعة من ذلك، وقد ظهرت مبادئها من سعد بن عبادة، ومن قومه، كما في صحيح مسلم.

انتهى.

هذا؛ وإن الآية الكريمة، وما بعدها إلى رقم [٢٦] نزلت في قذف السيدة عائشة، وبينت براءتها أحسن بيان، وإن الذي يبقى في نفسه شيء عليها فلا حظّ له في الإسلام؛ لأنه ينكر صريح القرآن، ومن أنكر شيئا بيّنه القرآن فهو كافر بإجماع المسلمين. واحديث الإفك رواه البخاري ومسلم عن عائشة نفسها، وها أنذا أذكره لك بحروفه برواية البخاري. والله الموفق، والمعين، وبه أستعين.

عن عائشة-رضي الله عنها-، قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا؛ أقرع بين أزواجه، فأيتهنّ خرج سهمها؛ خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوته تلك، وقفل، ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه.

فأقبل الذين يرحلون لي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن، ولم يغشهنّ اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السّنّ، فبعثوا الجمل، وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم، وليس فيه أحد، فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني، فيرجعون إليّ.

فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي، فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثم الذّكوانيّ من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرّسين في نحر الظّهيرة فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبيّ ابن سلول.

فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ويريبني في وجعي أنّي لا أرى من النبي صلّى الله عليه وسلّم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، إنما يدخل، فيسلّم، ثم يقول: «كيف تيكم»؟. لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت فخرجت أنا وأمّ مسطح قبل المناصع متبرّزنا، لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن تتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرّيّة، أو في التّنزّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>