للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جشعهم، وأنّهم باعوا آخرتهم بحظّهم من المطعم الذي لا خطر له، فسمى الله ما أكلوه من الرّشا نارا؛ لأنّه يؤدّيهم إلى النار. هكذا قال أكثر المفسرين.

وقيل: إنّه يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنّم حقيقة، كأنما أخبر عن المآل بالحال، كما قال تعالى في سورة (النّساء) رقم [١٠]: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} أي: إنّ عاقبته تؤول إلى ذلك، ومنه قول أبي سعيد سابق البريري، وهو الشّاهد رقم [٣٨٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الطويل]

فللموت تغذو الوالدات سخالها... كما لخراب الدّور تبنى المساكن

وأيضا قول عبد الله بن الزّبعرى-وهو الشاهد رقم [٣٨٨] من كتابنا المذكور-: [المتقارب]

فإن يكن الموت أفناهمو... فللموت ما تلد الوالده

{وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ} أي: كلام رحمة لشدّة غضبه عليهم، وإنّما يكلمهم كلام سخط، ومقت، فيقول لهم: {اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ}. انظر سورة (المؤمنون) رقم [١٠٨].

{وَلا يُزَكِّيهِمْ:} ولا يطهّرهم من أدران الذنوب، والسيئات. أو: لا يصلح أعمالهم الخبيثة، فتطهر، وفي صحيح مسلم-رحمه الله تعالى-عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة، ولا يزكّيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذّاب، وعائل مستكبر».

وإنّما خص هؤلاء بأليم العذاب، وشدّة العقوبة لمحض المعاندة، والاستخفاف الحامل لهم على تلك المعاصي؛ إذ لم يحملهم على ذلك حاجة، ولا دعتهم إليه ضرورة، كما تدعو من لم يكن مثلهم.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسمها مبني على الفتح في محلّ نصب، والجملة الفعلية بعدها صلتها. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف، التّقدير: يكتمون الّذي، أو شيئا أنزله الله. {مِنَ الْكِتابِ:} متعلقان بمحذوف حال من المفعول المحذوف، و {مِنَ} بيان لما أبهم في: {ما،} والجملة الفعلية: {وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} معطوفة على جملة: {يَكْتُمُونَ..}. إلخ لا محلّ لها مثلها.

{أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محل لها. {ما:} نافية. {يَأْكُلُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله.

{فِي بُطُونِهِمْ:} متعلقان بما قبلهما، وقيل: متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، والأول أقوى. والهاء: في محل جرّ بالإضافة، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة

<<  <  ج: ص:  >  >>