للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه، عن جده-رضي الله عنهم-قال: قلت:

يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها، وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك، أو ما ملكت يمينك». قال: الرجل يكون مع الرجل، قال: «إن استطعت ألاّ يراها أحد فافعل». قلت: الرجل يكون خاليا؟ فقال: «الله أحقّ أن يستحيا منه من الناس». وقد ذكرت عائشة-رضي الله عنها- رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحالها معه، صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: (ما رأيت منه، ولا رأى منّي) فحذفت-رضي الله عنها- مفعول الفعلين، والمراد به: الفرج. وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفض الرّجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفض المرأة إلى المرأة في ثوب واحد». أخرجه مسلم.

{ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ} أي: غض البصر، وحفظ الفرج أطهر في الدين، وأبعد من دنس الآثام والريبة. {إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ:} لا يخفى عليه إجالة أبصارهم، واستعمال سائر حواسهم، وتحريك جوارحهم، وما يقصدون بها، فليكونوا على حذر منه في كل حركة وسكون. هذا؛ و {يَصْنَعُونَ} أبلغ من قوله: {تَعْمَلُونَ} في الآية السابقة، من حيث إن الصنع عمل الإنسان بعد تدرب فيه، وتروّ، وتحرّي إجادة، ولذلك ذم به خواص اليهود وذلك في سورة (المائدة) الآية رقم [٦٣] بينما ذم عوامهم بقوله {يَعْمَلُونَ} وذلك في الآية رقم [٦٢] منها.

هذا؛ ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته، أو أمه، أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا، وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرّمة نظر شهوة يردّدها. انتهى. قرطبي.

تنبيه: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأهم طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وعن كل ما يخشى الفتنة من أجله، ورحم الله من يقول: [البسيط]

كلّ الحوادث مبداها من النّظر... ومعظم النّار من مستصغر الشّرر

والمرء ما دام ذا عين يقلّبها... في أعين الغيد موقوف على الخطر

كم نظرة فعلت في قلب صاحبها... فعل السّهام بلا قوس، ولا وتر

يسرّ ناظره ما ساء خاطره... لا مرحبا بسرور عاد بالضّرر

وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة تحذر من سقطاته. وترغب في غضه، وكفه عن النظر إلى المحرمات، فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه عز وجل: «النّظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي، أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه». رواه الطبراني والحاكم من حديث حذيفة-رضي الله عنه-.

هذا؛ وإن الإسلام أباح النظرة الأولى نظرة الفجاءة، وحرم النظرة الثانية نظرة التتبع، والتمتّع، والمعاودة؛ لأن النظر إلى النساء باب عظيم من أبواب البلاء، فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>