عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال لها: «يا أسماء! إنّ المرأة إذا بلغت المحيض؛ لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا، وأشار إلى وجهه، وكفّيه». وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦٠] الآتية.
فهذا أقوى في جانب الاحتياط، ولمراعاة فساد الناس، فلا تبد المرأة من زينتها، إلا ما ظهر من وجهها وكفيها. والله الموفق لا رب سواه. وقد قال ابن خويز منداد من علماء المالكية:
إن المرأة إذا كانت جميلة، وخيف من وجهها، وكفيها الفتنة، فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزا، أو مقبّحة؛ جاز أن تكشف وجهها، وكفيها.
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ:} (الخمر) جمع: الخمار بكسر الخاء، وهو ما تغطي به رأسها، ومنه اختمرت المرأة، وتخمّرت، وهي حسنة الخمرة، ويجمع الخمار على أخمرة أيضا، قال الراعي النميري، وينسب للقتال الكلابي: [البسيط]
صلّى على عزّة الرحمن وابنتها... ليلى وصلّى على جاراتها الأخر
هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة... سود المحاجر، لا يقرأن بالسّور
و {جُيُوبِهِنَّ:} جمع: جيب، وهو موضع القطع عند الرقبة والصدر من الثوب، والمراد:
ليلقين ثيابهن على نحورهن، وصدورهن. {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} أي: الخفية التي لم يبح لهن كشفها في الصلاة، ولا للأجانب، وهي ما عدا الوجه والكفين، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: رحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ} شققن أزرهن، فاختمرن بها. ودخلت على عائشة حفصة بنت أخيها عبد الرحمن -رضي الله عنهم-وقد اختمرت بشيء يشف عن عنقها، وما هنالك، فشقته عليها، وقالت: إنما يضرب بالكثيف الذي يستر.
{إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ:} فهؤلاء هم الذين يجوز لهم أن ينظروا إلى الزينة الباطنة، ولا ينظرون إلى ما بين السرة والركبة، ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدن زوجته؛ غير أنه يكره له النظر إلى فرجها، ولهذا المعنى بدأ الله بالبعولة؛ لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا.
هذا؛ ولا يفوتني أن أذكر أن نظر الرجل إلى فرج زوجته كثيرا، يورث عمى القلب، ومن ذلك كثرة النسيان. وقد تساهل أصبغ من المالكية تساهلا كبيرا في ذلك، ولا شك أنه تختلف مراتب ما يبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج.
هذا؛ والمراد ب: {أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ} الذكور، ويدخل فيه أولاد الأولاد، وإن سفلوا من ذكور كانوا أو إناث كبني البنين وبني البنات، وكذلك آباء البعولة، والأجداد، وإن علوا، وكذلك أبناء البنات، وأبناء الإخوة، وأبناء الأخوات، وإن سفلوا، وهذا كله في معنى ما حرم من المناكح، فإن ذلك على المعاني في الولادات، وهؤلاء محارم، انظر الآية رقم [٢٣] من سورة (النساء). هذا؛