ولم يذكر الله الأعمام، والأخوال مع كونهم من المحارم، وأولادهم ليسوا من المحارم باتفاق جميع المسلمين؛ لأن مناكحتهم صحيحة لا حرج فيها. ولم يذكر جلت قدرته ما يحرم بالرضاع.
وقد ذكرته آية النساء المذكورة. تنبه لهذا؛ واحفظه، وقيل: لم يذكر الأعمام، والأخوال؛ لأنهم في معنى الإخوان، أو؛ لأن الأحوط أن يتسترن عنهم أن يصفوهن لأولادهم.
{أَوْ نِسائِهِنَّ} أي: المؤمنات من أهل دينهم، أراد به: أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى بدن المرأة ما عدا ما بين السرة، والركبة، فلا يجوز للمرأة المؤمنة أن تتعرى من ثيابها عند الذمية، أو الوثنية؛ لأنها ليست من نساء المؤمنات، ولأنها أجنبية في الدين. فكانت أبعد من الرجل المسلم الذي يحل نكاحه، وكان قد كتب عمر-رضي الله عنه-إلى أبي عبيدة بن الجراح-رضي الله عنه-: أن يمنع نساء أهل الكتاب أن يدخلن الحمام مع المسلمات، وذلك لئلا تصف الكافرة جسد المسلمة لزوجها، أو غيره من أقاربها. ولا يفوتني أن أذكر: أنه تقدم الطبيبة الكافرة في معالجة المرأة المسلمة، ومداواتها على الطبيب المسلم، ولو كان صالحا، ولكن المسلمين في هذه الأيام يقدمون الطبيب الكافر على الطبيب المسلم بل وعلى الطبيبة المسلمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
{أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ} أي: من العبيد والإماء، بمعنى يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف من بدنها ما عدا ما بين السرة والركبة لمن تملكه من العبيد، ولا أطيل الكلام في ذلك؛ لأنه لم يعد الرق موجودا في الدنيا. {أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ} الإربة: الحاجة، يقال: أربت كذا، آرب أربا، والإرب، والإربة، والمأربة، والأرب: الحاجة، والجمع: مارب، أي:
حوائج، وانظر الآية رقم [١٨] من سورة (طه) وقال طرفة بن العبد البكري: [الطويل]
إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا... تقدّم يوما ثمّ ضاعت ماربه
هذا؛ وقد اختلف في المراد بذي الإربة، فقيل: هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء، وقيل: هو الأبله، وقيل: هو العنين، وقيل: هو الخصي، وقيل: هو الرجل يتبع القوم، فيأكل معهم، لا همة له إلا ذلك، ولا حاجة له في النساء، وقيل: هو المخنث. وبهذه الصفة كان «هيت» المخنث عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما سمع منه ما سمع من وصف محاسن المرأة، وهي بادية بنة غيلان أمر بالاحتجاب منه.
فقد ذكر الواقدي، والكلبي: أن «هيتا» المخنث، قال لعبد الله بن أمية المخزومي، وهو أخو أم سلمة لأبيها، وأمه عاتكة عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال له، وهو في بيت أخته أم سلمة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع: إن فتح الله عليكم الطائف، فعليك ببادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي، فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان، مع ثغر كالأقحوان، إن جلست تبنّت، وإن تكلمات تغنّت، بين رجليها كالإناء المكفوء، وهي كما قال قيس بن الخطيم:[المنسرح]