للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية فيه، وفيمن فعل فعله من المنافقين، ومعاذة هذه أم خولة التي جادلت النبي صلّى الله عليه وسلّم في زوجها، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى في مطلع سورة (المجادلة). انتهى. قرطبي بتصرف.

{إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} أي: إن أراد الفتيات؛ أي: الإماء تعففا عن الزنى، وذلك: أن الفتاة إذا أرادت التحصن، فحينئذ يمكن، ويتصور أن يكون السيد مكرها، ويمكن أن ينهى عن الإكراه، وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصن، فلا يتصور أن يقال للسيد: لا تكرهها؛ لأن الإكراه لا يتصور فيها، وهي مريدة للزنى، فهذا أمر في سادة، وفتيات حالهم هذه، وإلى هذا المعنى أشار ابن العربي رحمه الله تعالى، فقال: إنما ذكر الله إرادة التحصن من المرأة؛ لأن ذلك هو الذي يصور الإكراه، فأما إذا كانت راغبة في الزنى لم يتصور إكراه، فحصّلوه. وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين:

فقال بعضهم: إن الكلام راجع إلى {الْأَيامى} في الآية السابقة. قال الزجاج، والحسين بن الفضل: في الكلام تقديم وتأخير، أي وأنكحوا الأيامى والصالحين من عبادكم، إن أردن تحصنا. وقال بعضهم: هذا الشرط في قوله: {إِنْ أَرَدْنَ} ملغى، ونحو ذلك مما يضعف، والله الموفق. انتهى. قرطبي بتصرف. هذا؛ وقيل: هذا الشرط لا مفهوم له. {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا} أي: الشيء الذي تكسبه الأمة بفرجها، والولد يسترق فيباع، وقيل: كان الزاني يفتدي ولده من المزنيّ بها بمئة من الإبل يدفعها إلى سيدها.

وقال أبو السعود-رحمه الله تعالى-: وقوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} ليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنى، وإخراج ما عداها من حكمة، كما كان الإكراه بسبب كراهتهن الزنى لخصوص الزاني، أو لخصوص الزمان، أو لخصوص المكان، أو لغير ذلك من الأمور المصححة للإكراه في الجملة، بل للمحافظة على عادتهم المستمرة، حيث كانوا يكرهونهن على البغاء، وهن يردن التعفف عنه مع وفور شهرتهن الآمرة بالفجور، وقصورهن في معرفة الأمور، الداعية إلى المحاسن الزاجرة عن تعاطي القبائح. انتهى.

هذا؛ و {عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا} حطامها الفاني، وإنما سمى سبحانه منافع الدنيا عرضا؛ لأنه لا ثبات لها ولا دوام، فكأنها تعرض، ثم تزول بخلاف منافع الآخرة، فإنها دائمة لا انقطاع لها، و {عَرَضَ} بفتح العين والراء هنا، وهو بضم العين وسكون الراء: ناحية الشيء من أي وجه جئته، وهو بفتح العين وسكون الراء: ضد الطول، وهو بكسر العين وسكون الراء: النفس، يقال:

أكرمت عنه عرضي، أي صنت عنه نفسي، وهو أيضا: رائحة الجسد وغيره، طيبة كانت أو خبيثة، يقال: فلان طيب العرض، أو منتن العرض، وانظر شرح {الْحَياةِ الدُّنْيا} في الآية رقم [٧٢] من سورة (طه).

{وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ:} على الزنى. {فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: لهن، أو: له إن تاب، والأول أوفق للظاهر، ولما في مصحف ابن مسعود-رضي الله عنه-: (بعد إكراههنّ لهنّ

<<  <  ج: ص:  >  >>