غفور رحيم) وكان الحسن يقول: لهنّ والله! لهن والله! ولا يرد عليه: أن المكرهة غير آثمة، فلا حاجة إلى المغفرة؛ لأن الإكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات، ولذلك حرم على المكره القتل، وأوجب عليه القصاص.
خاتمة: يطعن المستشرقون، والملحدون من أبناء المسلمين في الإسلام، وينعتونه بالقسوة، وبأنه عمل على تكديس الرق، وتكريسه، ويستدلون على ذلك بما كان عند الخلفاء والأثرياء من العبيد، والسراري الكثيرة. والجواب، بل والرد المفحم لهم: أن الإسلام لم يبتدع الرق، ولم يعمل على تشجيعه، وإنما جاء والبشرية غارقة بماسي الرقيق، فلو دعا الإسلام من أول نشأته إلى تحرير الرق، لنفر منه الأثرياء، وذوو الجاه، والسلطان.
ولكنه عمل على تحرير الرقيق بشتى الوسائل، وفتح أبوابا كثيرة لتحريره، لم نجد ذلك في اليهودية، ولا في النصرانية، ولا في المجوسية وغيرها من الديانات على ممر العصور، فهذه المكاتبة التي رأيت شرحها، وقد جعل الإسلام تحرير الرقيق أول ما يجب في الكفارات لمن كان يملك رقيقا، أو قدر على شرائه، وذلك في كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة القتل غير العمد، وكفارة الجماع في أيام رمضان، ونحو ذلك. هذا بالإضافة إلى الترغيب في عتق الرقيق احتسابا لوجه الله تعالى، يتجلى ذلك في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«من عتق رقبة مؤمنة كانت فكاكه من النّار».
هذا؛ بالإضافة إلى حسن المعاملة التي أمر بها الإسلام في التخاطب بين السيد وعبده، وفي المأكل، والملبس، والعمل. ففي التخاطب قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«لا يقل أحدكم عبدي، وليقل:
يا مولاي». وذلك لئلا ينكسر خاطر العبد بكلمة: عبدي، فكانت كلمة: يا مولاي متبادلة بين السيد، ومملوكه. وأما في المأكل والملبس، والعمل؛ فقد قال الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده، فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا يكلّفه من العمل ما يغلبه، فإن كلّفه ما يغلبه فليعنه عليه». رواه البخاري، وغيره من حديث أبي ذر-رضي الله عنه-. هذا؛ ويلحق بالعبد الأجير، والخادم الضعيف، والدابة.
لذا لم يكن التذمر موجودا عند طبقة العبيد في الإسلام، بل كان السادة والعبيد متحابين متوادين متآلفين، ولم تقم ثورات للعبيد على أسيادهم في بلاد المسلمين، كالذي حدث عند الأوربيين وذلك للظلم الذي أحاط بالعبيد في أوربا خلال القرون الوسطى، وكان من أبرزها الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي، وما تلاها من ثورات واحتجاجات في إنكلترا وغيرها، حتى أدى ذلك إلى إلغاء الرق في مطلع القرن العشرين، ولو بقي الرق موجودا في بلاد المسلمين إلى اليوم لما رأينا أثرا لهذا التذمر الذي حصل في أوربا، وهذه دولة الولايات المتحدة التي تدعي التقدمية، وتدافع عن حقوق الإنسان لا يزال التمييز العنصري موجودا في جميع هيئاتها، فكيف يصمون الإسلام مما هو منه براء؟!.