{يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ:} اختلف العلماء في وصف الله تعالى المسبّحين، فقيل: هم المراقبون أمر الله، الطالبون رضاه، الذين لا يشغلهم عن الصلاة وذكر الله شيء من أمور الدنيا. وقال كثير من الصحابة: نزلت هذه الآية في أهل الأسواق، الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة؛ تركوا كل عمل، وبادروا. ورأى سالم بن عبد الله أهل الأسواق؛ وهم مقبلون إلى الصلاة، فقال: هؤلاء الذين أراد الله بقوله: {لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ..}. إلخ. هذا؛ ويقرأ الفعل {يُسَبِّحُ} بكسر الباء وفتحها، كما يقرأ «(تسبح)» بالتاء، وعلى ما تقدم؛ فالمراد من يسبح في الصلاة.
هذا؛ و (الغدو): جمع: غدوة بضم الغين فيهما، وهي ما بين طلوع الفجر، وطلوع الشمس، وقيل: إلى الضحوة الكبرى، والغداة بفتح الغين في الأصل: الضحوة، ولو حملها حامل على أول النهار لجاز له التذكير، والجمع: غدوات. (الآصال): جمع: أصيل، وهو الوقت بين العصر، والمغرب، ويجمع أيضا على أصائل، وأصل، وأصلان. هذا؛ وقيل: الآصال جمع: أصل، والأصل جمع: أصيل، ثم أصائل جمع الجمع، قال أبو ذؤيب الهذلي:[الطويل]
لعمري أنت البيت أكرم أهله... وأقعد في أفيائه بالأصائل
هذا؛ ويطلق الأصيل على الشعاع الممتد من الشمس إلى الماء مثل الحبال، ويشبه لون أشعته في الماء لون الذهب، وانظر مقابلة (العشي) ب: (الإبكار) في الآية رقم [٤١] من سورة (آل عمران)، ومقابلة (البكرة) ب: (الأصيل) في الآية رقم [٥] من سورة (الفرقان)، ومقابلة (الغداة) ب: (العشي) في الآية رقم [٥٢] من سورة (الأنعام) ففيهما كبير فائدة، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{فِي بُيُوتٍ:} فيه ستة أوجه: أحدها: أنهما متعلقان بمحذوف صفة (مشكاة) أي:
كمشكاة موجودة في بيوت. الثاني: أنهما متعلقان بمحذوف صفة {مِصْباحٌ،} أي: مصباح كائن في بيوت. الثالث: أنهما متعلقان بمحذوف صفة {زُجاجَةٍ} أي: زجاجة موجودة في بيوت.
الرابع: أنهما متعلقان ب: {يُوقَدُ} وعلى هذه الأوجه لا يوقف على {عَلِيمٌ}. الخامس: أنهما متعلقان بمحذوف، أي: سبحوه في بيوت. السادس: أنهما متعلقان ب: {يُسَبِّحُ} أي: يسبح رجال في بيوت، ولفظ {فِيهَا} تكرر للتوكيد، وعلى هذين الوجهين يوقف على {عَلِيمٌ} انتهى. نقلا عن السمين بتصرف. وفي القرطبي: قال ابن الأنباري: سمعت أبا العباس يقول:
هو حال للمصباح، والزجاجة، والكوكب، كأنه قال: وهي في بيوت. وقال الترمذي الحكيم محمد بن علي:(في بيوت) منفصل، كأنه يقول: الله في بيوت... وبذلك جاءت الأخبار: أنه من جلس في المسجد، فإنه يجالس ربه. وجوز ابن الأنباري تعليقهما بمحذوف خبر مقدم، على أن {رِجالٌ} مبتدأ مؤخر، فإن قيل: فما الوجه في تعليقهما بمحذوف صفة لأحد الأسماء الثلاثة المذكورة، أو ب:{يُوقَدُ،} ولا يكون مشكاة، أو مصباح، أو زجاجة إلا في بيت واحد، قيل: