للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم، وقاموا بسياسة المسلمين، وذبّوا عن حوزة الدين، فنفذ الوعد فيهم، وإذا لم يكن هذا الوعد لهم نجز، وفيهم نفذ، وعليهم ورد، ففيمن يكون إذا، وليس بعدهم مثلهم إلى يومنا هذا، ولا يكون فيمن بعدهم-رضي الله عنهم-.

{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: ليجعلنهم متصرفين في الأرض تصرف الملوك في مماليكهم، وعطف (عملوا) على {آمَنُوا} احتراس يوحي: أن الإيمان بدون عمل صالح لا يحقق استخلافا في الأرض، بل ولا يدخل جنة، وهذا نبهت عليه مرارا وتكرارا. {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: كما استخلف داود، وسليمان، وغيرهما من الأنبياء، وكما استخلف بني إسرائيل، وأهلك الجبابرة بمصر والشام، وأورثهم أرضهم، وديارهم.

{وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ:} اختاره بقوله في سورة (المائدة) رقم [٣]: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يوسع لهم في البلاد؛ حتى يملكوها، ويظهر دينهم على سائر الأديان. {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً:} آمنين، فأنجز الله وعده، وأظهر دينه، ونصر أولياءه، وأبدلهم بعد الخوف أمنا، وبسطا في الأرض.

فقد أخرج البخاري عن عدي بن حاتم الطائي-رضي الله عنه-قال: بينا أنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ أتاه رجل، فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر، فشكا إليه قطع السبيل، فقال:

«يا عديّ هل رأيت الحيرة؟». قلت: لم أرها، ولقد أنبئت عنها، قال: «فإن طالت بك حياة؛ لترينّ الظعينة ترحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله». قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيئ الذين قد سعّروا البلاد؟! «ولئن طالت بك حياة؛ لتفتحنّ كنوز كسرى» قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: «كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترينّ الرجل يخرج ملء كفه من ذهب، أو فضة يطلب من يقبله منه، فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقينّ الله أحدكم يوم القيامة، وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولنّ: ألم أبعث إليك رسولا، فيبلغك؟ فيقول: بلى! يا رب، فيقول: ألم أعطك مالا، وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم». قال عدي-رضي الله عنه-:

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتقوا النار، ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة».

قال عديّ-رضي الله عنه-: فرأيت الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: يخرج الرجل ملء كفه ذهبا... إلخ. انتهى. خازن.

{يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً:} فيه أربعة أقوال: أحدها: لا يعبدون غيري. الثاني:

لا يراؤون بعبادتي أحدا. الثالث: لا يخافون غيري. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-. الرابع:

لا يحبون غيري. قاله مجاهد. {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ} أي: كفر هذه النعم، أي: جحدها، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>