لوددت: أن الله عز وجل نهى آباءنا، وأبناءنا، وخدمنا أن يدخلوا هذه الساعات علينا إلا بإذن؛ ثم انطلق معه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فوجده، وقد أنزلت عليه هذه الآية، وهي إحدى الآيات التي نزلت توافق رأي عمر، رضي الله عنه.
وقيل: نزلت في أسماء بنت مرثد-رضي الله عنها-، كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقت كرهته، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: إن خدمنا، وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها! فأنزل الله الآية.
قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: الآية رجوع إلى تتمة الأحكام السالفة-أي: في الاستئذان- بعد الفراغ من الإلهيات، الدالة على وجوب الطاعة فيما سلف من الأحكام وغيرها، والوعد عليها، والوعيد على الإعراض عنها، والمراد به: خطاب الرجال، والنساء، غلّب فيه الرجال.
انتهى. أقول: وهذا نبهت عليه كثيرا بأن نداء الذكور يعمّ النساء، إلا ما ورد بخصوصه.
الشرح:{الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:} من العبيد، والإماء، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٤] من سورة (الحج). {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} أي: من الأطفال الأحرار، والمراد بهم: من بلغوا سن التمييز، والعقل وغيرهما، واتفق العلماء على أنّ الاحتلام بلوغ، وعلى أن الحيض بلوغ، ولو كانا في السن العاشرة، أو غيرها، واختلفوا فيما إذا بلغا خمس عشرة سنة، ولم يحتلم الذكر، ولم تحض الأنثى، فقال أبو حنيفة-رحمه الله تعالى-: لا يكون بالغا حتى يبلغ ثمان عشرة سنة، ويستكملها، والجارية سبع عشرة سنة، وتستكملها. وقال الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد -رضوان الله عليهم-: في الغلام والجارية بخمس عشرة سنة يصير مكلفا، وتجري عليهما الأحكام الشرعية، وتجب عليهما التكاليف الإلهية. وعن علي-كرم الله وجهه-أنه كان يعتبر القامة، وقدرها، بخمسة أشبار، وبه أخذ الفرزدق في قوله يمدح يزيد بن المهلب في مرثية له:[الكامل]
ما زال مذ عقدت يداه إزاره... وسما فأدرك خمسة الأشبار
وهذا هو الشاهد رقم [٦٣٤] من كتابنا فتح القريب المجيب، انظر شرحه، وإعرابه هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
{ثَلاثَ مَرّاتٍ:} في اليوم والليلة، وهي الأوقات التي تقتضي عادة الناس الانكشاف فيها، وملازمة التعري. {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ:} فهذا وقت القيام من المضاجع، وطرح ثياب النوم، ولبس ثياب النهار. {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ:} وهو وقت القيلولة، والراحة، والهدوء والسكون في البيت. {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ:} وهو وقت التعري للنوم، ولقد خص الله هذه الأوقات الثلاثة بالذكر؛ لأنها ساعات الخلوات، ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يجوز أن يراه أحد من العبيد، والصبيان، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات، وغير العبيد، والصبيان يستأذن في جميع الأوقات، وهو ما رأيته في الآية رقم [٢٨] وما بعدها.